في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (25)

( قال : رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي . فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين ) . .

دعوة فيها الألم . وفيها الالتجاء . وفيها الاستسلام . وفيها - بعد ذلك - المفاصلة والحسم والتصميم !

وإنه ليعلم أن ربه يعلم أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه . . ولكن موسى في ضعف الإنسان المخذول . وفي إيمان النبي الكليم . وفي عزم المؤمن المستقيم ، لا يجد متوجها إلا لله . يشكو له بثه ونجواه ، ويطلب إليه الفرقة الفاصلة بينه وبين القوم الفاسقين . فما يربطه بهم شيء بعد النكول عن ميثاق الله الوثيق . . ما يربطه بهم نسب . وما يربطه بهم تاريخ . وما يربطه بهم جهد سابق . إنما تربطه بهم هذه الدعوة إلى الله ، وهذا الميثاق مع الله .

وقد فصلوه . فانبت ما بينه وبينهم إلى الأعماق . وما عاد يربطه بهم رباط . . إنه مستقيم على عهد الله وهم فاسقون . . إنه مستمسك بميثاق الله وهم ناكصون . .

هذا هو أدب النبي . . وهذه هي خطة المؤمن . وهذه هي الآصرة التي يجتمع عليها أو يتفرق المؤمنون . . لا جنس . لا نسب . لا قوم . لا لغة . لا تاريخ . لا وشيجة من كل وشائج الأرض ؛ إذا انقطعت وشيجة العقيدة ؛ وإذا اختلف المنهج والطريق . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (25)

وقوله : { قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } يعني : لما نكل بنو إسرائيل عن القتال غضب عليهم موسى عليه السلام ، وقال داعيا عليهم : { رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي } أي : ليس أحد يطيعني منهم فيمتثل أمر الله ، ويجيب إلى ما دعوتَ إليه إلا أنا وأخي هارون ، { فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } قال العَوْفِي ، عن ابن عباس : يعني اقض بيني وبينهم . وكذا قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس .

وكذا قال الضحاك : اقض بيننا وبينهم ، وافتح بيننا وبينهم ، وقال غيره : افرق : افصل بيننا وبينهم ، كما قال الشاعر{[9565]} :

يَا رب فافرق بَيْنَه وبَيْني *** أشدّ ما فَرقْت بَيْن اثنين


[9565]:يقول الأستاذ محمود شاكر حفظه الله: "لعله حبينة بن طريف العكلي". انظر: حاشية تفسير الطبري (10/188).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (25)

« قال » أي موسى ، مناجياً ربّه أو بمسمع منهم ليوقفهم على عدم امتثالهم أمرَ ربّهم { ربّ إنّي لا أملك إلاّ نفسي وأخي } ، يجوز أن يكون المعنى لا أقدر إلاّ على نفسي وأخي ، وإنّما لم يعُدّ الرجلين الذين قالا { ادخلوا عليهم الباب } ، لأنّه خشي أن يستهويهما قومهما . والذي في كتب اليهود أنّ هارون كان قد توفّي قبل هذه الحادثة . ويجوز أن يريد بأخيه يوشَع بنَ نون لأنّه كان ملازِمَه في شؤونه ، وسمّاه الله فتاه في قوله : { وإذ قال موسى لفتاه } [ الكهف : 60 ] الآية . وعطفه هنا على نفسه لأنّه كان محرّضاً للقوم على دخول القرية .

ومعنى { افرق بيننا وبين القوم الفاسقين } أن لا تؤاخذنا بجرمهم ، لأنّه خشي أن يصيبهم عذاب في الدنيا فيهلك الجميع فطلب النّجاة ، ولا يصحّ أن يريد الفرق بينهم في الآخرة ؛ لأنّه معلوم أنّ الله لا يؤاخذ البريء بذنب المجرم ، ولأنّ براءة موسى وأخيه من الرضا بما فعله قومهم أمر يعلمه الله ، ويجوز أن يراد بالفرق بينهم الحكم بينهم وإيقاف الضّالين على غلطهم .