في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَيۡرِ لَشَدِيدٌ} (8)

( وإنه لحب الخير لشديد )فهو شديد الحب لنفسه ، ومن ثم يحب الخير . ولكن كما يتمثله مالا وسلطة ومتاعا بأعراض الحياة الدنيا . . .

هذه فطرته . وهذا طبعه . ما لم يخالط الإيمان قلبه . فيغير من تصوراته وقيمه وموازينه واهتماماته . ويحيل كنوده وجحوده اعترافا بفضل الله وشكرانا . كما يبدل أثرته وشحه إيثارا ورحمة . ويريه القيم الحقيقية التي تستحق الحرص والتنافس والكد والكدح . وهي قيم أعلى من المال والسلطة والمتاع الحيواني بأعراض الحياة الدنيا . .

إن الإنسان - بغير إيمان - حقير صغير . حقير المطامع ، صغير الاهتمامات . ومهما كبرت أطماعه . واشتد طموحه ، وتعالت أهدافه ، فإنه يظل مرتكسا في حمأة الأرض ، مقيدا بحدود العمر ، سجينا في سجن الذات . . لا يطلقه ولا يرفعه إلا الاتصال بعالم أكبر من الأرض ، وأبعد من الحياة الدنيا ، وأعظم من الذات . . عالم يصدر عن الله الأزلي ، ويعود إلى الله الأبدي ، وتتصل فيه الدنيا بالآخرة إلى غير انتهاء . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَيۡرِ لَشَدِيدٌ} (8)

وقوله : { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } أي : وإنه لحب الخير - وهو : المال - لشديد . وفيه مذهبان :

أحدهما : أن المعنى : وإنه لشديد المحبة للمال .

والثاني : وإنه لحريص بخيل ؛ من محبة المال . وكلاهما صحيح .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَيۡرِ لَشَدِيدٌ} (8)

والضمير في قوله تعالى : { وإنه لحب الخير } عائد على { الإنسان } لا غير ، والمعنى من أجل حب الخير إنه { لشديد } ، أي بخيل بالمال ضابط له ، ومنه قول الشاعر [ طرفة بن العبد ] : [ الطويل ]

أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي . . . عقيلة مال الفاحش المتشدد{[11955]}

و { الخير } المال على عرف ذلك في كتاب الله تعالى ، قال عكرمة : { الخير } حيث وقع في القرآن فهو المال ، ويحتمل أن يراد هنا الخير الدنياوي من مال وصحة وجاه عند الملوك ونحوه ؛ لأن الكفار والجهال لا يعرفون غير ذلك ، فأما المحب في خير الآخرة فممدوح له مرجو له الفوز .


[11955]:هذا البيت من قصيدة طرفة المعروفة (لخولة أطلال ببرقة ثهمد)، وهي المعلقة التي قالها بعد أن مل حياة التشرد، وعاد نادما إلى أهله. ويعتام : يختار، والعقيلة: الكريمة من المال والنساء، والفاحش: البخيل. يقول: أرى الموت يختار الكرام فيفنيهم، ويصطفي أفضل ما عند البخيل المتشدد من مال فيأخذه، وبهذا لا ينفعه بخله ولا تشدده، فلا تخلص منه لواحد من الصنفين، فلا يجدي البخيل بخله، فالحود أفضل لأنه أحمد، وقيل: بل المعنى: إن الموت يختار الكرام بالإفناء، ويصطفي كريمة مال البخيل بالإبقاء.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ لِحُبِّ ٱلۡخَيۡرِ لَشَدِيدٌ} (8)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم أخبر عنه ، فقال : { وإنه لحب الخير لشديد } يعني المال . ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

{ وَإنّهُ لِحُبّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ } يقول تعالى ذكره : وإن الإنسان لحبّ المال لشديد . واختلف أهل العربية في وجه وصفه بالشدّة لحبّ المال ، فقال بعض البصريين : معنى ذلك : وإنه من أجل حبّ الخير لشديد : أي لبخيل ... وقال آخرون : معناه : وإنه لحبّ الخير لقويّ ...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أي ذلك الإنسان لشديد الحب للمال ، فذكر بخله وشحه في المال في ترك الإنفاق والبذل ، وعلى ذلك طبع كل إنسان على ما ذكرنا ، لكن المؤمن يتكلف إخراج نفسه مما طبع بالرياضة ، ويجتهد بالإنفاق . والحب هنا حب إيثار ، أي يؤثر لنفسه . ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

يعني : وإنه لأجل حب المال وإن إنفاقه يثقل عليه لبخيل ممسك . أو أراد بالشديد : القوي ، وإنه لحب المال وإيثار الدنيا وطلبها قوي مطيق ، وهو لحب عبادة الله وشكر نعمته ضعيف متقاعس ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ وإنه } أي الإنسان من حيث هو مع شهادته على نفسه بالكفر الذي يقتضي سلب النعم { لحب } أي لأجل حب { الخير } أي المال الذي لا يعد غيره لجهله خيراً { لشديد } أي بخيل بالمال ، ضابط له ، ممسك عليه ، أو بليغ القوة في حبه ؛ لأن منفعته في الدنيا ، وهو متقيد بالعاجل الحاضر المحسوس ، مع علمه بأن أقل ما فيه أنه يشغله عن حسن الخدمة لربه......

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فهو شديد الحب لنفسه ، ومن ثم يحب الخير . ولكن كما يتمثله مالا وسلطة ومتاعا بأعراض الحياة الدنيا . . . هذه فطرته . وهذا طبعه ...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وحب المال يبعث على منع المعروف ، وكان العرب يعيِّرون بالبخل وهم مع ذلك يبْخَلون في الجاهلية بمواساة الفقراء والضعفاء ويأكلون أموال اليتامى ولكنهم يسرفون في الإِنفاق في مظان السمعة ومجالس الشرب وفي الميسر قال تعالى : { ولا تحاضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلاً لما وتحبون المال حباً جماً } [ الفجر : 18- 20 ] .

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

قيل : المراد بالخير المال الذي ينفتح الإنسان عليه بكل مشاعره وحواسه ، بحيث يملك عليه كل كيانه في ما تمثله كلمة الحب الشديد من حالة الذوبان الوجداني في المال ، بحيث لا يراقب الله في جمعه من الحلال ، أو في صرفه في ما يرضي الله . وربما كان المراد بالخير كل ما يحصل عليه الإنسان في الدنيا من حاجاته المادية من مال أو جاهٍ أو شهوةٍ أو لذّة ، في ما فطرت عليه نفسه من التعلّق بالأشياء المادية التي تمثل حاجاته الذاتية التي يرتاح إليها في حياته العامة والخاصة . ...