في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰ} (34)

والقرآن يواجه هذه الخيلاء الشريرة بالتهديد والوعيد :

( أولى لك فأولى . ثم أولى لك فأولى ) . .

وهو تعبير اصطلاحي يتضمن التهديد والوعيد ، وقد أمسك رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بخناق أبي جهل مرة ، وهزه ، وهو يقول له : ( أولى لك فأولى . ثم أولى لك فأولى ) . . فقال عدو الله : أتوعدني يا محمد ? والله لا تستطيع أنت ولا ربك شيئا . وإني لأعز من مشى بين جبليها ! ! فأخذه الله يوم بدر بيد المؤمنين بمحمد [ صلى الله عليه وسلم ] وبرب محمد القوي القهار المتكبر . ومن قبله قال فرعون لقومه : ( ما علمت لكم من إله غيري ) . . وقال : ( أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ? ) . . ثم أخذه الله كذلك .

وكم من أبي جهل في تاريخ الدعوات يعتز بعشيرته وبقوته وبسلطانه ؛ ويحسبها شيئا ؛ وينسى الله وأخذه . حتى يأخذه أهون من بعوضة ، وأحقر من ذبابة . . إنما هو الأجل الموعود لا يستقدم لحظة ولا يستأخر .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰ} (34)

قال الله تعالى : { أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } وهذا تهديد ووعيد أكيد منه تعالى للكافر به المتبختر في مشيته ، أي : يحق لك أن تمشي هكذا وقد كفرت بخالقك وبارئك ، كما يقال في مثل هذا على سبيل التهكم والتهديد كقوله : { ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } [ الدخان : 49 ] . و كقوله : { كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ } [ المرسلات : 46 ] ، وكقوله { فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ } [ الزمر : 15 ] ، وكقوله { اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ } [ فصلت : 40 ] . إلى غير ذلك .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ، حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - عن إسرائيل ، عن موسى بن أبي عائشة قال : سألت سعيد بن جبير قلت : { أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } ؟ قال : قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأبي جهل ، ثم نزل به القرآن .

وقال أبو عبد الرحمن النسائي : حدثنا إبراهيم بن يعقوب{[29569]} . حدثنا أبو النعمان ، حدثنا أبو عَوَانة - ( ح ) وحدثنا أبو داود : حدثنا محمد بن سليمان{[29570]} . حدثنا أبو عوانة - عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس : { أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } ؟ قال : قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم{[29571]} ثم أنزله الله عز وجل{[29572]} .

قال ابن أبي حاتم : وحدثنا أبي ، حدثنا هشام بن خالد ، حدثنا شعيب عن إسحاق ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } وعيد على أثر وعيد ، كما تسمعون ، وزعموا أن عدو الله أبا جهل أخذ نَبيّ الله بمجامع ثيابه ، ثم قال : " أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى " . فقال عدو الله أبو جهل : أتوعدني يا محمد ؟ والله لا تستطيع أنت ولا ربك شيئا ، وإني لأعز من مشى بين جبليها .


[29569]:- (1) في م، أ، هـ: "يعقوب بن إبراهيم" والمثبت من سنن النسائي الكبرى (11638).
[29570]:- (2) في م: "عن ابن سليمان".
[29571]:- (3) في م: "قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهل".
[29572]:-(4) سنن النسائي الكبرى برقم (11638).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰ} (34)

أولى لك فأولى ويل لك من الولي وأصله أولاك الله ما تكرهه واللام مزيدة كما في ردف لكم أو أولى لك الهلاك وقيل أفعل من الويل بعد القلب أدنى من أدون أو فعلى من ال يؤول بمعنى عقباك النار .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰ} (34)

وقوله تعالى : { أولى لك } وعيد ثان ثم كرر ذلك تأكيداً ، والمعنى { أولى لك } الازدجار والانتهاء وهو مأخوذ من ولى ، والعرب تستعمل هذه الكلمة زجراً ، ومنه قوله تعالى : { فأولى لهم طاعة وقول معروف{[11488]} } [ محمد : 20 ] ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبب أبا جهل يوماً في البطحاء وقال له : «إن الله يقول لك { أولى لك فأولى } » ، فنزل القرآن على نحوها{[11489]} . وفي شعر الخنساء : [ المتقارب ]

سئمت بنفسي كل الهموم*** فأولى لنفسي أولى لها{[11490]}


[11488]:من الآية 21 من سورة محمد.
[11489]:أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره عن قتادة {أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى} وعيد على وعيد، كما تسمعون، زعم أن هذا أنزل في عدو الله أبي جهل، ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بمجامع ثيابه فقال: {أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى}، فقال عدو الله أبو جهل: أيوعدني محمد؟ والله ما تستطيع لي أنت ولا ربك شيئا، والله لأنا أعز من مشى بين جبليها. وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، عن سعيد بن جبير، قال: سألت ابن عباس عن قول الله تعالى: {أولى لك فأولى} أشيء قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهل من قبل نفسه أو أمره الله به؟ قال: بل قاله من قبل نفسه ثم أنزله الله.
[11490]:المعنى : الويل لنفسي، ويروى البيت: "وجمت بنفسي" ويروى "بعض الهموم". والبيت من قصيدة قالتها في رثاء أخيها معاوية حين قتله بنو مرة، وزعم أبو عبيدة أنها قالته في رثاء أخيها صخر حين دفن بأرض بني سليم، وهي من أبلغ مراثيها.