قوله تعالى : " أولى لك فأولى ، ثم أولى لك فأولى " تهديد بعد تهديد ، ووعيد بعد وعيد ، أي فهو وعيد أربعة لأربعة ، كما روي أنها نزلت في أبي جهل الجاهل بربه فقال : " فلا صدق ولا صلى . ولكن كذب وتولى " أي لا صدق رسول الله ، ولا وقف بين يدي فصلى ، ولكن كذب رسولي ، وتولى عن التصلية بين يدي . فترك التصديق خصلة ، والتكذيب خصلة ، وترك الصلاة خصلة ، والتولي عن الله تعالى خصلة ؛ فجاء الوعيد أربعة مقابلة لترك الخصال الأربعة . والله أعلم . لا يقال : فإن قوله : " ثم ذهب إلى أهله يتمطى " خصلة خامسة ، فإنا نقول : تلك كانت عادته قبل التكذيب والتولي ، فأخبر عنها ، وذلك بين في قول قتادة على ما نذكره . وقيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المسجد ذات يوم{[15644]} ، فاستقبله أبو جهل على باب المسجد ، مما يلي باب بني مخزوم ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، فهزه أو مرتين ثم قال : ( أولى لك فأولى ) فقال له أبو جهل : أتهددني ؟ فوالله إني لأعز أهل الوادي وأكرمه .
ونزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال لأبي جهل . وهي كلمة وعيد . قال الشاعر :
فأولى ثم أولى ثم أولى *** وهل للدَّرِّ يُحْلَبُ من مَرَدِّ
قال قتادة : أقبل أبو جهل بن هشام يتبختر ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده فقال : [ أولى لك فأولى ، ثم أولى لك فأولى ] . فقال : ما تستطيع أنت ولا ربك لي شيئا ، إني لأعز من بين جبليها . فلما كان يوم بدر أشرف على المسلمين فقال : لا يعبد الله بعد هذا اليوم أبدا . فضرب الله عنقه ، وقتله شر قتلة .
وقيل : معناه : الويل لك ، ومنه قول الخنساء :
هممت بنفسي كل الهموم *** فأولى لنفسي أولى لها
سأحمل نفسي على آلة{[15645]} *** فإما عليها وإما لها
الآلة : الحالة ، والآلة : السرير أيضا الذي يحمل عليه الميت ، وعلى هذا التأويل قيل : هو من المقلوب ، كأنه قيل : أويل ، ثم أخر الحرف المعتل ، والمعنى : الويل لك حيا ، والويل لك ميتا ، والويل لك يوم البعث ، والويل لك يوم تدخل النار ، وهذا التكرير{[15646]} كما قال : لك الويلات إنك مرجلي أي لك الويل ، ثم الويل ، ثم الويل ، وضعف هذا القول . وقيل : معناه الذم لك ، أولى ، من تركه ، إلا أنه كثير في الكلام فحذف . وقيل : المعنى أنت أولى وأجدر بهذا العذاب . وقال أبو العباس أحمد بن يحيى : قال الأصمعي " أولى " في كلام العرب معناه مقاربة الهلاك ، كأنه يقول : قد وليت الهلاك ، قد دانيت الهلاك ، وأصله من الولي ، وهو القرب ، قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار " [ التوبة : 123 ] أي يقربون منكم ، وأنشد الأصمعي :
أي قارب أن يكون له ، وأنشد أيضا :
أولى لمن هاجَتْ له أن يَكْمَدَا
أي قد دنا صاحبها [ من ]{[15647]} الكمد . وكان أبو العباس ثعلب يستحسن قول الأصمعي ويقول : ليس أحد يفسر كتفسير الأصمعي . النحاس : العرب تقول أولى لك : كدت تهلك ثم أفلت ، وكأن تقديره : أولى لك وأولى بك الهلكة . المهدوي قال : ولا تكون أولى ( أفعل منك ) ، وتكون خبر مبتدأ محذوف ، كأنه قال : الوعيد أولى له من غيره ؛ لأن أبا زيد{[15648]} قد حكى : أولاة الآن : إذا أوعدوا . فدخول علامة التأنيث دليل على أنه ليس كذلك . و " لك " خبر عن " أولى " . ولم ينصرف " أولى " لأنه صار علما للوعيد ، فصار كرجل اسمه أحمد . وقيل : التكرير فيه على معنى ألزم لك على عملك السيء الأول ، ثم على الثاني ، والثالث ، والرابع ، كما تقدم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.