الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰ} (34)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله" أوْلَى لَكَ فأَوْلَى ثُمّ أوْلَى لَكَ فأَوْلَى": هذا وعيد من الله على وعيد لأبي جهل، عن قتادة، قال: أخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيده، يعني بيد أبي جهل، فقال: "أوْلَى لَكَ فأَوْلَى ثُمّ أوْلَى لكَ فأَوْلَى "فقال: يا محمد ما تستطيع أنت وربك فيّ شيئا، إني لأعزّ من مشى بين جبليها، فلما كان يوم بدر أشرف عليهم فقال: لا يُعبد الله بعد هذا اليوم، وضرب الله عنقه، وقتله شرّ قِتلة.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قال أهل التأويل: هذا وعيد على وعيد؛ كأنه قال: ويل لك فويل، ثم ويل لك فويل؛ ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بجميع ثيابه، وقال له هذا، فلم يتهيأ لذلك المسكين لأن يدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه، وكان يفتخر بكثرة أنصاره، أنه أعز من يمشي بين الجبلين. والله تعالى بلطفه أذله، وأهانه، حتى لم يتهيأ له الحراك مما نزل به، ولا نفعته قواه وكثرة أتباعه.

وجائز أن يكون قوله: {أولى لك فأولى} أي لأجدر بك أن تنظر في ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وفي الذي كان عليه آباؤك ليظهر لك الصواب من الخطأ والحق من الباطل، فتتبع الصواب من ذلك. فتتجهز به شرف الدنيا والآخرة، إذ كان يفتخر بشرفه وعزه؛ فإن أردت أن يدوم لك الشرف، فالأولى لك أن تنظر إلى ما ذكرنا، فتبع الصواب من ذلك.

والثاني: أن العرب كانت عادتها أن تقوم بنصر قبيلتها، وتذب عنها: كانت ظالمة في ذلك أو لم تكن ظالمة في ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان من قبيلة أبي جهل. فلو كان على غير حق عنده كان الأولى به أن ينصره ويعينه على ما عليه عادة العرب، وإن كان محقا فهو أولى. فترك ما هو أولى من النصر والحماية.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

العَربُ إذا دَعَتْ على أحدٍ بالمكروه قالوا: {أَوْلَى لَكَ} وهنا أتبع اللفظَ اللفظَ على سبيل المبالغة. ويقال: معناه الويلُ لَكَ يومَ تَحيا. والويلُ لكَ يوم تَموت، والويلُ لكَ يومَ تُبْعَث، والويلُ لكَ يومَ تدخل النار.

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :

{أولى لك فأولى} {ثم أولى لك فأولى} هذا تهديد ووعيد له، والمعنى: وليك المكروه يا أبا جهل، أي لزمك المكروه.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

والمعنى {أولى لك} الازدجار والانتهاء وهو مأخوذ من ولى، والعرب تستعمل هذه الكلمة زجراً، ومنه قوله تعالى: {فأولى لهم طاعة وقول معروف}.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

وهذا تهديد ووعيد أكيد منه تعالى للكافر به المتبختر في مشيته، أي: يحق لك أن تمشي هكذا وقد كفرت بخالقك وبارئك، كما يقال في مثل هذا على سبيل التهكم والتهديد كقوله:"ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ"

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان هذا غاية الفجور، وكان أهل الإنسان يحبونه إذا أقبل إليهم لا سيما إذا كان على هذه الحالة عند أغلب الناس، أخبر بما هو حقيق أن يقال له في موضع "تحية أهله " من التهديد العظيم فقال: {أولى لك} أي أولاك الله ما تكره، ودخلت اللام للتأكيد الزائد والتخصيص، وزاد التأكيد بقوله: {فأولى} أي ابتلاك الله بداهية عقب داهية، وأبلغ ذلك التأكيد إشارة إلى أنه يستحقه على مدى الأعصار.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

والقرآن يواجه هذه الخيلاء الشريرة بالتهديد والوعيد:

(أولى لك فأولى. ثم أولى لك فأولى)..

وهو تعبير اصطلاحي يتضمن التهديد والوعيد، وقد أمسك رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بخناق أبي جهل مرة، وهزه، وهو يقول له: (أولى لك فأولى. ثم أولى لك فأولى).. فقال عدو الله: أتوعدني يا محمد؟ والله لا تستطيع أنت ولا ربك شيئا. وإني لأعز من مشى بين جبليها!! فأخذه الله يوم بدر بيد المؤمنين بمحمد [صلى الله عليه وسلم] وبرب محمد القوي القهار المتكبر. ومن قبله قال فرعون لقومه: (ما علمت لكم من إله غيري).. وقال: (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي؟).. ثم أخذه الله كذلك.

وكم من أبي جهل في تاريخ الدعوات يعتز بعشيرته وبقوته وبسلطانه؛ ويحسبها شيئا؛ وينسى الله وأخذه. حتى يأخذه أهون من بعوضة، وأحقر من ذبابة.. إنما هو الأجل الموعود لا يستقدم لحظة ولا يستأخر.