الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰ} (34)

{ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } هذا وعيد من الله سبحانه على وعيد أبي جهل وهي كلمة موضوعة للتهدّد والوعيد قالت الخنساء :

هممت بنفسي كل الهموم *** فأولى لنفسي أولى لها

وأنشدني أبو القيّم السدوسي قال : أنشدني أبو محمد عبد الله بن محمد البلوي الأدبي قال : أنشدنا أحمد بن يحيى بن تغلب :

يا أوس لو نالتك أرماحنا *** كنت كمن تهوى به الهاويه

القيتا عيناك عند القفا *** أولى فأولى لك ذا واقيه

وقال بعض العلماء : معناه أنك أجدر بهذا العذاب وأحقّ وأولى ، يقال للرجل يصيبه مكروه يستوجبه ، وقيل : هو كلمة يقولها العرب لمن قاربه المكروه وأصلها من الولي وهو القرب ، قال الله سبحانه :

{ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُمْ } [ التوبة : 123 ] ويقال ثمّ الذي يليه أي يقرب منه . قال الشاعر :

فصالوا صولة فيمن يليهم *** وصلنا صولة فيمن يلينا

وقال آخر :

هجرت غضوب وحب من يتجنّب *** وَعَدَتْ عواد دون وليك تشعب

وحكى لنا الإستاذ أبو القيم الحلبي أنه سمع أبا الهيثم الجمي وكان عارفاً بالمعاني يقول حاكياً عن بعض العلماء : أن قوله { أَوْلَى } من المقلوب مجازه : أويل من الويل ، كما يقال : ما أطيبه وأيطبه وعاقني وعقاني وأيم وأيامي وأصله أيايم وقوس وقسي وأصله قؤوس ، ومعنى الآية كأنه يقول لأبي جهل : الويل لك يوم تموت ، والويل لك يوم تبعث ، والويل لك يوم تدخل النار وتخلد فيها .

وقال قتادة : ذكر لنا أن النبي ( عليه السلام ) لمّا نزلت هذه الآية اخذ بمجامع ثوب أبي جهل بالبطحاء وقال له : { أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } فقال أبو جهل : اتوعدني يا محمد والله ما تستطيع أنت ولا ربّك أن تفعلا بي شيئاً وأني لأعزّ من مشى بين جبليها ، فلمّا كان يوم بدر أشرف عليهم وقال : لا نعبد الله بعد اليوم ، فصرعه الله شرّ مصرع ، وقتله أسوأ قتلة ، أقعصه ابنا عفراء وأجهز عليه ابن مسعود ، قال : وذكر لنا أن أبا جهل كان يقول : لو علمت أن محمداً رسول الله ما أتبعت غلاماً من قريش قال : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول :

" إنّ لكل أمّة فرعوناً وأن فرعون هذه الأمة أبو جهل " .