في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (13)

فماذا كانت نهاية الإسراف في القرون الأولى ?

( ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا ، وجاءتهم رسلهم بالبينات ، وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين ) . .

لقد انتهى بهم الإسراف وتجاوز الحد والظلم - وهو الشرك - إلى الهلاك . وهذه مصارعهم كانوا يرون بقيتها في الجزيرة العربية في مساكن عاد وثمود وقرى قوم لوط . .

وتلك القرون . جاءتهم رسلهم بالبينات كما جاءكم رسولكم :

( وما كانوا ليؤمنوا ) . .

لأنهم لم يسلكوا طريق الإيمان ، وسلكوا طريق الطغيان فأبعدوا فيها ، فلم يعودوا مهيئين للإيمان . فلقوا جزاء المجرمين . .

( كذلك نجزي القوم المجرمين ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (13)

أخبر تعالى عما أحلّ بالقرون الماضية ، في تكذيبهم الرسل فيما جاءوهم به من البينات والحجج الواضحات ، ثم استخلف الله هؤلاء القومَ من بعدهم ، وأرسل إليهم رسولا لينظر طاعتهم له ، واتباعهم رسوله ، وفي صحيح مسلم من حديث أبي نَضْرَة ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الدنيا حلوة خَضِرة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون ، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " {[14093]} . وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا زيد بن عوف أبو ربيعة فهد{[14094]} حدثنا حماد ، عن ثابت

البُناني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ؛ أن عوف بن مالك قال لأبي بكر : رأيت فيما يرى النائم كأن سَبَبًا دُلِّي من السماء ، فانتُشط رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أعيد ، فانتُشط أبو بكر ، ثم ذُرعَ{[14095]} الناس حول المنبر ، ففضل عمر بثلاث أذرع إلى المنبر . فقال عمر : دعنا من رؤياك ، لا أرَبَ لنا فيها ! فلما استخلف عمر قال : يا عوف ، رؤياك ! فقال : وهل لك في رؤياي من حاجة ؟ أولم تنتهرني{[14096]} ؟ فقال : ويحك ! إني : كرهت أن تنعَى لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه ! فقصّ عليه الرؤيا ، حتى إذا بلغ : " ذُرع{[14097]} الناس إلى المنبر بهذه الثلاث الأذرع " ، قال : أما إحداهن فإنه كائن خليفة . وأما الثانية فإنه لا يخاف في الله لومة لائم . وأما الثالثة فإنه شهيد . قال : فقال : يقول الله تعالى : { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } فقد استُخلفت{[14098]} يا ابن أم عمر ، فانظر كيف تعمل ؟ وأما قوله : " فإني لا أخاف في الله لومة لائم " ، فما شاء الله ! وأما قوله : [ إني ]{[14099]} شهيد فَأَنَّى لعمر الشهادة والمسلمون مطيفون به{[14100]} .


[14093]:- صحيح مسلم برقم (2742).
[14094]:- في هـ ، ت : "مهد" ، وفي أ : "شهد" والتصويب من الطبري.
[14095]:- في ت : "درع".
[14096]:- في ت : "تنتهزني".
[14097]:- في ت ، أ : "درع".
[14098]:- في ت ، أ : "استخلف".
[14099]:- زيادة من ت.
[14100]:- تفسير الطبري (15/39).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِينَ} (13)

{ ولقد أهلكنا القرون من قبلكم } يا أهل مكة . { لما ظلموا } حين ظلموا بالتكذيب واستعمال القوى والجوارح لا على ما ينبغي { وجاءتهم رسلهم بالبينات } بالحجج الدالة على صدقهم وهو حال من الواو بإضمار قد أو عطف على ظلموا . { وما كانوا ليؤمنوا } وما استقام لهم أن يؤمنوا لفساد استعدادهم وخذلان الله لهم وعلمه بأنهم يموتون على كفرهم ، واللام لتأكيد النفي . { كذلك } مثل ذلك الجزاء وهو إهلاكهم بسبب تكذيبهم للرسل وإصرارهم عليه بحيث تحقق أنه لا فائدة في إمهالهم { نجزي القوم المجرمين } نجزي كل مجرم أو نجزيكم فوضع المظهر موضع الضمير للدلالة على كمال جرمهم وأنهم أعلام فيه .