في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامِنُواْ بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَجۡهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكۡفُرُوٓاْ ءَاخِرَهُۥ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (72)

65

كذلك يعرض بعض المحاولات التي يبذلها فريق من أهل الكتاب لبلبلة الجماعة المسلمة في دينها ، وردها عن الهدى ، من ذلك الطريق الماكر اللئيم :

( وقالت طائفة من أهل الكتاب : آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون . ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم . . . ) . .

وهي طريقة ماكرة لئيمة كما قلنا . فإن إظهارهم الإسلام ثم الرجوع عنه ، يوقع بعض ضعاف النفوس والعقول وغير المتثبتين من حقيقة دينهم وطبيعته . . يوقعهم في بلبلة واضطراب . وبخاصة العرب الأميين ، الذين كانوا يظنون أن أهل الكتاب أعرف منهم بطبيعة الديانات والكتب . فإذا رأوهم يؤمنون ثم يرتدون ، حسبوا أنهم إنما ارتدوا بسبب إطلاعهم على خبيئة ونقص في هذا الدين . وتأرجحوا بين اتجاهين فلم يكن لهم ثبات على حال .

وما تزال هذه الخدعة تتخذ حتى اليوم . في شتى الصور التي تناسب تطور الملابسات والناس في كل جيل . .

ولقد يئس أعداء المسلمين أن تنطلي اليوم هذه الخدعة ، فلجأت القوى المناهضة للإسلام في العالم إلى طرق شتى ، كلها تقوم على تلك الخدعة القديمة .

إن لهذه القوى اليوم في أنحاء العالم الإسلامي جيشا جرارا من العملاء في صورة أساتذة وفلاسفة ودكاترة وباحثين - وأحيانا كتاب وشعراء وفنانين وصحفيين - يحملون أسماء المسلمين ، لأنهم انحدروا من سلالة مسلمة ! وبعضهم من " علماء " المسلمين !

هذا الجيش من العملاء موجه لخلخلة العقيدة في النفوس بشتى الأساليب ، في صورة بحث وعلم وأدب وفن وصحافة . وتوهين قواعدها من الأساس . والتهوين من شأن العقيدة والشريعة سواء . وتأويلها وتحميلها ما لا تطيق . والدق المتصل على " رجعيتها " ! والدعوة للتلفت منها . وإبعادها عن مجال الحياة إشفاقا عليها من الحياة أو إشفاقا على الحياة منها ! وابتداع تصورات ومثل وقواعد للشعور والسلوك تناقض وتحطم تصورات العقيدة ومثلها . وتزيين تلك التصورات المبتدعة بقدر تشويه التصورات والمثل الإيمانية . وإطلاق الشهوات من عقالها وسحق القاعدة الخلقية التي تستوي عليها العقيدة النظيفة لتخر في الوحل الذي ينثرونه في الأرض نثرا ! ويشوهون التاريخ كله ويحرفونه كما يحرفون النصوص !

وهم بعد مسلمون ! أليسوا يحملون أسماء المسلمين ؟ وهم بهذه الأسماء المسلمة يعلنون الإسلام وجه النهار . وبهذه المحاولات المجرمة يكفرون آخره . . ويؤدون بهذه وتلك دور أهل الكتاب القديم . لا يتغير إلا الشكل والإطار في ذلك الدور القديم !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامِنُواْ بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَجۡهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكۡفُرُوٓاْ ءَاخِرَهُۥ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (72)

{ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ [ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ] {[5169]} } هذه مكيدة أرادوها ليلْبسُوا على الضعفاء من الناس أمْر دينهم ، وهو أنهم اشْتَوروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار ويُصَلّوا مع المسلمين صلاة الصبح ، فإذا جاء آخر النهار ارتدوا إلى دينهم ليقول الجهلة من الناس : إنما رَدّهم{[5170]} إلى دينهم اطّلاعهُم على نقيصة وعيب في دين المسلمين ، ولهذا قالوا : { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } .

قال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد ، في قوله تعالى إخبارًا عن اليهود بهذه الآية : يعني يهود ، صَلَّت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر وكفروا آخر النهار ، مكرًا منهم ، ليُرُوا الناس أن قد بدت لهم منه الضلالة ، بعد أن كانوا اتبعوه .

وقال العَوْفِي ، عن ابن عباس : قالت طائفة من أهل الكتاب : إذا لقيتم أصحاب محمد أول النهار فآمنوا ، وإذا كان آخره فَصَلّوا صلاتكم ، لعلهم يقولون : هؤلاء أهل الكتاب وهم أعلم منا . [ وهكذا روي عن قتادة والسدي والربيع وأبي مالك ]{[5171]} .


[5169]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "الآية".
[5170]:في جـ، أ، و: "رجعهم".
[5171]:زيادة من جـ، أ، و.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالَت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامِنُواْ بِٱلَّذِيٓ أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَجۡهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكۡفُرُوٓاْ ءَاخِرَهُۥ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ} (72)

{ وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار } أي أظهروا الإيمان بالقرآن أول النهار . { واكفروا آخره لعلهم يرجعون } واكفروا به آخره لعلهم يشكون في دينهم ظنا بأنكم رجعتم لخلل ظهر لكم ، والمراد بالطائفة كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف قالا لأصحابهما لما حولت القبلة : آمنوا بما أنزل عليهم من الصلاة إلى الكعبة وصلوا إليها أول النهار ثم وصلوا إلى الصخرة آخره لعلهم يقولون هم أعلم منا وقد رجعوا فيرجعون . وقيل اثنا عشر من أحبار خيبر تقاولوا بأن يدخلوا في الإسلام أول النهار ويقولوا آخره نظرنا في كتابنا وشاورنا علماءنا فلم نجد محمدا عليه الصلاة والسلام بالنعت الذي ورد في التوراة لعل أصحابه يشكون فيه .