في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (3)

ونعود بعد تسجيل هذه الومضة إلى سياق السورة . . فنجده يؤكد في الآية الثالثة إيحاء الآيتين الأولى والثانية ؛ فيذكر الناس بنعمة الله عليهم ؛ وهو وحده الخالق وهو وحده الرازق . الذي لا إله إلا هو ؛ ويعجب كيف يصرفون عن هذا الحق الواضح المبين :

( يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم . هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض ? لا إله إلا هو . فأنى تؤفكون ? ) . .

ونعمة الله على الناس لا تتطلب إلا مجرد الذكر ؛ فإذا هي واضحة بينة يرونها ويحسونها ويلمسونها ، ولكنهم ينسون فلا يذكرون .

وحولهم السماء والأرض تفيضان عليهم بالنعم ، وتفيضان عليهم بالرزق ؛ وفي كل خطوة ، وفي كل لحظة فيض ينسكب من خيرات الله ونعمه من السماء والأرض . يفيضها الخالق على خلقه . فهل من خالق غيره يرزقهم بما في أيديهم من هذا الفيض العميم ? إنهم لا يملكون أن يقولوا هذا ، وما كانوا يدعونه وهم في أغلظ شركهم وأضله . فإذا لم يكن هناك خالق رازق غير الله ، فما لهم لا يذكرون ولا يشكرون ? وما لهم ينصرفون عن حمد الله والتوجه إليه وحده بالحمد والابتهال ? إنه ( لا إله إلا هو )فكيف يصرفون عن الإيمان بهذا الحق الذي لا مراء فيه . . ( فأنى تؤفكون ? ) . . وإنه لعجيب أن ينصرف منصرف عن مثل هذا الحق الذي يواجههم به ما بين أيديهم من الرزق وإنه لعجيب أن ينصرف عن حمد الله وشكره من لا يجد مفراً من الاعتراف بذلك الحق المبين !

هذه الإيقاعات الثلاثة القوية العميقة هي المقطع الأول في السورة . وفي كل منها صورة تخلق الإنسان خلقاً جديداً حين تستقر في ضميره على حقيقتها العميقة . وهي في مجموعها متكاملة متناسقة في شتى الاتجاهات

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (3)

ينبه تعالى عباده ويرشدهم إلى الاستدلال على توحيده في إفراد العبادة له ، كما أنه المستقل بالخلق والرزق فكذلك فَليفرد بالعبادة{[24448]} ، ولا يشرك به غيره من الأصنام والأنداد والأوثان ؛ ولهذا قال : { لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ }{[24449]} ، أي : فكيف تؤفكون{[24450]} بعد هذا البيان ، ووضوح هذا البرهان ، وأنتم بعد هذا تعبدون الأنداد والأوثان ؟ .


[24448]:- (7) في أ : "بالعبادة وحده".
[24449]:- في س، أ : "يؤفكون".
[24450]:- في س، أ : "يؤفكون".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَٰلِقٍ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ} (3)

ثم لما بين أنه الموجد للملك والملوك والمتصرف فيهما على الإطلاق أمر الناس بشكر إنعامه فقال : { يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم } احفظوا بمعرفة حقها والاعتراف بها وطاقة موليها ، ثم أنكر أن يكون لغيره في ذلك مدخل فيستحق أن يشرك به بقوله : { هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون } فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد إلى إشراك غيره به ، ورفع { غير } للحمل على محل { من خالق } بأنه وصف أو بدل ، فإن الاستفهام بمعنى النفي ، أو لأنه فاعل { خالق } وجره حمزة والكسائي حملا على لفظه ، وقد نصب على الاستثناء ، و { يرزقكم } صفة ل { خالق } أو استئناف مفسر له أو كلام مبتدأ ، وعلى الأخير يكون إطلاق { هل من خالق } مانعا من إطلاقه على غير الله .