وقوله : { سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ } أي : ثيابهم التي يلبسونها عليهم من قطران ، وهو الذي تُهنأ به الإبل ، أي : تطلى ، قاله قتادة . وهو ألصق شيء بالنار .
ويقال فيه : " قَطِران " ، بفتح القاف وكسر الطاء ، وبفتح القاف وتسكين الطاء ، وبكسر القاف وتسكين الطاء ، ومنه قول أبي النجم :
كأنّ قِطْرانًا إذَا تَلاهَا *** تَرْمي{[16048]} به الرّيح إلى مَجْراها{[16049]} وكان ابن عباس يقول : القَطران هو : النحاس المذاب ، وربما قرأها : " سَرَابيلهم من قَطِران " أي : من نحاس حار قد انتهى حره . وكذا روي عن مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جُبَير ، والحسن ، وقتادة .
وقوله : { وَتَغْشَى{[16050]} وُجُوهَهُمُ النَّارُ } كقوله : { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } [ المؤمنون : 104 ] .
وقال الإمام أحمد ، رحمه الله : حدثنا يحيى بن إسحاق ، أنبأنا أبان بن يزيد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن زيد ، عن أبي سلام ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربع من أمر الجاهلية لا يُتْرَكن{[16051]} الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة ، والنائحة{[16052]} إذا لم تتب قبل موتها ، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرْع من جَرَب " . انفرد بإخراجه مسلم{[16053]} .
وفي حديث القاسم ، عن أبي أمامة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " النائحة إذا لم تتب ، توقف في طريق{[16054]} بين الجنة والنار ، وسرابيلها من قطران ، وتغشى وجهها النار " {[16055]} .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{سرابيلهم من قطران}، يعني قُمُصُهم من نحاس ذائب، {وتغشى وجوههم النار} لأنهم يتقون النار بوجوههم...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطرَانٍ" يقول: قمصهم التي يلبسونها، واحدها: سربال..."مِنْ قَطِرَانٍ": يقول: من القطران الذي يهنأ به الإبل... قال ابن عباس: مِنْ قَطِرَانٍ: نحاس... وقد رُوي عن بعض المتقدمين أنه كان يقرأ ذلك: «مِنْ قَطْرٍ آنٍ» بفتح القاف وتسكين الطاء وتنوين الراء وتصيير «آن» من نعِته، وتوجيه معنى «القَطر» إلى أنه النحاس ومعنى «الآن» إلى أنه الذي قد انتهى حرّه في الشدّة..
"وتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النّارُ" يقول: وتلفَحُ وجوههم النار فتحرقها...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
... {سرابيلهم مِن قطرانٍ}... ذكر هذه المواعيد والشدائد وأنواع ما يعذبون [به] في الآخرة، ونعيمها على ألسن من قد ظهر صدقهم بالآيات والحجج ليحذر ما أوعدوا، ويرغبون فيما رغبوا لئلا يكون لهم الاحتجاج يومئذ كقوله: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} (النساء: 165) وقوله: {ليهلك من هلك عن بينة} الآية [الأنفال: 42] ونحوه والله أعلم.
وقوله تعالى: {وتغشى وجوههم النار} لأن أيديهم مغلولة إلى أعناقهم، فلا يقدرون أن يتقوا النار بأيديهم. ذكر هذا لأن في الشاهد من أصاب وجهه أذى يتقي منه بيده، فيخبر أنهم إنما يتقون ذلك بوجوههم، والله أعلم.
وإنما جعلت سرابيلهم من قطران لإسراع النار إليها...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
القطران... هو ما يتحلب من شجر يسمى الأبهل فيطبخ، فتهنأ به الإبل الجربى، فيحرق الجرب بحرّه وحدّته، والجلد، وقد تبلغ حرارته الجوف، ومن شأنه أن يسرع في اشتغال النار، وقد يستسرج به، وهو أسود اللون منتن الريح، فتطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل وهي القمص، لتجتمع عليهم الأربع: لذع القطران وحرقته، وإسراع النار في جلودهم، واللون الوحش، ونتن الريح. على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين، وكل ما وعده الله أو وعد به في الآخرة، فبينه وبين ما نشاهد من جنسه ما لا يقادر قدره، وكأنه ما عندنا منه إلا الأسامي والمسميات ثمة، فبكرمه الواسع نعوذ من سخطه، ونسأله التوفيق فيما ينجينا من عذابه...
{وتغشى وُجُوهَهُمْ النار} كقوله تعالى: {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوء العذاب} [الزمر: 24]، {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النار على وُجُوهِهِمْ} [القمر: 48] لأن الوجه أعز موضع في ظاهر البدن وأشرفه، كالقلب في باطنه، ولذلك قال: {تَطَّلِعُ عَلَى الافئدة} [الهمزة: 7]...
زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 597 هـ :
وقال الزجاج: السربال: كل ما لبس...
لو أراد الله تعالى المبالغة في إحراقهم بغير ذلك لقدر، ولكنه حذرهم ما يعرفون حقيقته...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
...لما كان هذا اللباس مع نتنه وفظاعته شديد الانفعال بالنار، بين أنه يسلطها عليهم فقال: {وتغشى} ولما كان الوجه أشرف ما في الحيوان، فإهانته إهانة عظيمة لصاحبه، ذكره وقدمه تعجيلاً لإفهام الإهانة فقال: {وجوههم النار} أي تعلوها باشتعالها، فعلم أنه يلزم من غشيانها لها اضطرامها فيما ضمخ بالقطران من باب الأولى؛ ...
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
{سرابيلهم من قطران} تشبيه لهم بأكره ما يوجد منظرا عند العرب. وهو الإبل الجربى التي تطلى بالقطران. وإعلام بأن لهم أعظم ما ينال الجلد داء وهو تقرحه بالجرب. وأخبث ما يكون دواء لقبحه لونا وريحا، وهو القطران، فإنه أسود منتن الريح...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.