وقوله : { وَعَادًا وَثَمُودَ } قد{[21523]} تقدم الكلام على قصتيهما في غير ما سورة ، منها في سورة " الأعراف " بما أغنى عن الإعادة{[21524]} .
وأما أصحاب الرس فقال ابن جُرَيْج ، عن{[21525]} ابن عباس : هم أهل قرية من قرى ثمود .
وقال ابن جريج : قال عكرمة : أصحاب الرَسّ بفَلَج وهم أصحاب يس . وقال قتادة : فَلَج من قرى اليمامة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم [ النبيل ]{[21526]} ، حدثنا الضحاك بن مَخْلَد أبو عاصم ، حدثنا شبيب بن بشر{[21527]} ، حدثنا عكرمة عن ابن عباس في قوله : { وَأَصْحَابَ الرَّسِّ } قال : بئر بأذربيجان .
وقال سفيان الثوري عن أبي بُكَيْر{[21528]} ، عن عكرمة : الرس بئر رَسوا فيها نبيهم . أي : دفنوه بها{[21529]} .
وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن كعب [ القرظي ]{[21530]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة العبد الأسود ، وذلك أن الله - تعالى وتبارك - بعث نبيا{[21531]} إلى أهل قرية ، فلم يؤمن به من أهلها إلا ذلك العبد الأسود ، ثم إن أهل القرية عدَوا على النبي ، فحفروا له بئرا فألقوه فيها ، ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم{[21532]} قال : " فكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره ، ثم يأتي بحطبه فيبيعه ، ويشتري به طعاما وشرابا ، ثم يأتي به إلى تلك البئر ، فيرفع تلك الصخرة ، ويعينه الله عليها ، فيدلي إليه طعامه وشرابه ، ثم يردها كما كانت " . قال : " فكان ذلك ما شاء الله أن يكون ، ثم إنه ذهب يوماً يحتطب كما كان يصنع ، فجمع حطبه وحَزم وفرغ منها فلما أراد أن يحتملها وجد سنة ، فاضطجع فنام ، فضرب الله على أذنه سبع سنين نائماً ، ثم إنه هَبّ فتمطى ، فتحول لشقه الآخر فاضطجع ، فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى ، ثم إنه هب واحتمل حُزْمَته ولا يحسبُ إلا أنه نام ساعة من نهار{[21533]} فجاء إلى القرية فباع حزمته ، ثم اشترى طعاما وشرابا كما كان يصنع . ثم ذهب{[21534]} إلى الحفيرة في موضعها الذي كانت فيه ، فالتمسه فلم يجده . وكان قد بدا لقومه فيه بَداء ، فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه " . قال :
فكان نبيهم يسألهم عن ذلك الأسود : ما فعل ؟ فيقولون له : لا ندري . حتى قبض الله النبي ، وَأهبّ الأسودَ من نومته بعد ذلك " . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن ذلك الأسودَ لأولُ من يدخل الجنة " .
وهكذا رواه ابن جرير{[21535]} عن ابن حميد ، عن سلمة عن ابن إسحاق ، عن محمد بن كعب مرسلا . وفيه غرابة ونَكارَةٌ ، ولعل فيه إدْرَاجاً ، والله أعلم . وأما ابن جرير فقال : لا يجوز أن يحمل هؤلاء على أنهم أصحاب الرس الذين ذكروا في القرآن ؛ لأن الله أخبر عنهم أنه أهلكهم ، وهؤلاء قد بدا لهم فآمنوا بنبيهم ، اللهم إلا أن يكون حدث لهم أحداث ، آمنوا بالنبي بعد هلاك آبائهم ، والله أعلم .
واختار ابن جرير أن المراد بأصحاب الرس هم أصحاب الأخدود ، الذين ذكروا في سورة البروج ، فالله أعلم .
وقوله : { وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا } أي : وأمما بين أضعاف مَنْ ذُكر أهلكناهم كثيرة ؛ ولهذا قال : { وَكُلا ضَرَبْنَا لَهُ الأمْثَالَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ الرّسّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً * وَكُلاّ ضَرَبْنَا لَهُ الأمْثَالَ وَكُلاّ تَبّرْنَا تَتْبِيراً } .
يقول تعالى ذكره : ودمرنا أيضا عادا وثمود وأصحاب الرسّ .
واختلف أهل التأويل في أصحاب الرسّ ، فقال بعضهم : أصحاب الرسّ من ثمود . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال ابن عباس وأصحَابَ الرّسّ قال : قرية من ثمود .
وقال آخرون : بل هي قرية من اليمامة يقال لها الفلْج ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، قال : قال قتادة : الرسّ : قرية من اليمامة يقال لها الفلْج .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جُرَيج ، قال عكرِمة : أصحاب الرسّ بفلج هم أصحاب يس .
وقال آخرون : هم قوم رسّوا نبيهم في بئر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي بكر ، عن عكرِمة ، قال : كان الرسّ بئرا رسّوا فيها نبيهم .
وقال آخرون : هي بئر كانت تسمى الرسّ . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، وأصحَابَ الرّسّ قال : هي بئر كانت تسمى الرّسّ .
حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى عن مجاهد في قوله : «وأصحَابَ الرّسّ » قال : الرّسّ بئر كان عليها قوم .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ، قول من قال : هم قوم كانوا على بئر ، وذلك أن الرّسّ في كلام العرب كلّ محفور مثل البئر والقبر ونحو ذلك ومنه قول الشاعر :
سَبَقْتَ إلى فَرَطٍ باهِلٍ *** تَنابِلَةً يَحْفُرُونَ الرّساسا
يريد أنهم يحفرون المعادن ، ولا أعلم قوما كانت لهم قصة بسبب حفرة ، ذكرهم الله في كتابه إلا أصحاب الأخدود ، فإن يكونوا هم المعنيين بقوله وأصحَابَ الرّسّ فإنا سنذكر خبرهم إن شاء الله إذا انتهينا إلى سورة البروج ، وإن يكونوا غيرهم فلا نعرف لهم خبرا ، إلا ما جاء من جملة الخبر عنهم أنهم قوم رَسّوا نبيهم في حفرة . إلا ما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ أوّلَ النّاسِ يَدخلُ الجَنّةَ يَوْمَ القِيامَةِ العَبْدُ الأَسْوَدُ » . وذلك أن الله تبارك وتعالى بعث نبيا إلى أهل قرية فلم يؤمن مِنْ أهلها أحد إلا ذلك الأسود ، ثم إن أهل القرية عدوا على النبيّ عليه السلام ، فحفورا له بئرا فألقوه فيها ، ثم أطبقوا عليه بحجرٍ ضخم ، قال : وكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره ، ثم يأتي بحطبه فيبيعه ، فيشتري به طعاما وشرابا ، ثم يأتي به إلى ذلك البئر ، فيرفع تلك الصخرة ، فيعينه الله عليها ، فيدلي إليه طعامه وشرابه ، ثم يعيدها كما كانت ، قال : فكان كذلك ما شاء الله أن يكون . ثم إنه ذهب يوما يحتطب ، كما كان يصنع ، فجمع حطبه ، وحزم حزمته وفرغ منها فلما أراد أن يحتملها وجد سِنَة ، فاضطجع فنام ، فضرب الله على أذنه سبع سنين نائما . ثم إنه هبّ فتمطى ، فتحوّل لشقة الاَخر ، فاضطجع ، فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى . ثم إنه هبّ فاحتمل حزمته ، ولا يحسب إلا أنه نام ساعة من نهار ، فجاء إلى القرية فباع حزمته ، ثم اشترى طعاما وشرابا كما كان يصنع ، ثم ذهب إلى الحفرة في موضعها التي كانت فيه فالتمسه فلم يجده ، وقد كان بدا لقومه فيه بداء ، فاستخرجوه وآمنوا به وصدّقوه ، قال : فكان النبيّ عليه السلام يسألهم عن ذلك الأسود : ما فعل0فيقولون : ما ندري ، حتى قبض الله النبيّ ، فأهبّ الله الأسود من نومته بعد ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ ذلكَ الأسْوَدَ لأَوّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنّةَ » غير أن هؤلاء في هذا الخبر يذكر محمد بن كعب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنهم آمنوا بنبيهم واستخرجوه من حفرته ، فلا ينبغي أن يكونوا المعنيين بقوله : وأصحَابَ الرّسّ لأن الله أخبر عن أصحاب الرّسّ أنه دمرهم تدميرا ، إلا أن يكونوا دمروا بأحداث أحدثوها بعد نبيهم الذي استخرجوه من الحفرة وآمنوا به ، فيكون ذلك وجها . وَقُرُونا بينَ ذلكَ كَثِيرا يقول : ودمرنا بين أضعاف هذه الأمم التي سمّيناها لكم أمما كثيرة . كما :
حدثنا الحسن بن شبيب ، قال : حدثنا خلف بن خليفة ، عن جعفر بن عليّ بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : خلفت بالمدينة عمي ممن يفتي على أن القرن سبعون سنة ، وكان عمه عبيد الله بن أبي رافع كاتب عليّ رضي الله عنه .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن الحجاج ، عن الحكم ، عن إبراهيم قال : القرن أربعون سنة .
وعاد وثمود يصرف ، وجاء ها هنا مصروفاً ، وقرأ ابن مسعود وعمرو بن ميمون والحسن وعيسى «وعاداً » مصروفاً «وثمود » غير مصروف ، واختلف الناس في { أصحاب الرس } فقال ابن عباس هم قوم ثمود ، وقال قتادة هم أهل قرية من اليمامة ، يقال لها { الرس } والفلج ، وقال مجاهد هم أهل قرية فيها بير عظيمة الخ . . . يقال لها { الرس } ، وقال كعب ومقاتل والسدي { الرس } بير بأنطاكية الشام قتل فيها صاحب ياسين{[8828]} ، وقال الكلبي { أصحاب الرس } قوم بعث إليهم نبي فأكلوه ، وقال قتادة { أصحاب الرس } وأصحاب ليكة قومان أرسل إليهما شعيب عليه السلام ، وقاله وهب بن منبه وقال علي رضي الله عنه في كتاب الثعلبي { أصحاب الرس } قوم عبدوا شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت ، رسوا نبيهم في بير حفروه له في حديث طويل ، و { الرس } في اللغة كل محفور من بير أو قبر أو معدن ومنه قول الشاعر [ النابغة الجعدي ] : [ المتقارب ]
سبقت إلى فرط بأهل . . . تنابلة يحفرون الرساسا{[8829]}
وروى عكرمة ومحمد بن كعب القرظي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الرس المشار إليهم في هذه الآية قوم أخذوا نبيهم فرسوه في بير وأطبقوا عليه صخرة ، قال فكان عبد أسود قد آمن به يجيء بطعام إلى تلك البير فيعينه الله على تلك الصخرة إلى أن ضرب الله يوماً على أذن ذلك الأسود بالنوم أربع عشرة سنة وأخرج أهل القرية نبيهم فآمنوا به في حديث طويل{[8830]} ، قال الطبري فيمكن أنهم كفروا به بعد ذلك فذكرهم الله في هذه الآية ، وقوله { وقروناً بين ذلك كثيراً } إبهام لا يعلم حقيقته إلا الله عز وجل وقد تقدّم شرح القرن وكم هو ، ومن هذا اللفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى ، ويروى أن ابن عباس قاله ، «كذب النسابون من فوق عدنان{[8831]} لأن الله تعالى أخبر عن كثير من الخلق والأمم ولم يحد » .