( وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر . قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون ) . .
تتمة لمشهد الفلك الدائر بشمسه وقمره ونجومه . تتمة لعرض المشهد الكوني الهائل الرائع مرتبطا بحياة البشر ومصالحهم واهتماماتهم :
( لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ) . .
متاهات البر والبحر ظلمات يهتدي فيها البشر بالنجوم . . كانوا كذلك وما يزالون . . تختلف وسائل الاهتداء بالنجوم ويتسع مداها بالكشوف العلمية والتجارب المنوعة . . وتبقى القاعدة ثابتة : قاعدة الاهتداء بهذه الأجرام في ظلمات البر والبحر . . سواء في ذلك الظلمات الحسية أو ظلمات التصور والفكر . ويبقى النص القرآني الجامع يخاطب البشرية في مدارجها الأولى بهذه الحقيقة ، فتجد مصداقها في واقع حياتها الذي تزاوله . ويخاطبها بها وقد فتح عليها ما أراد أن يفتح من الأسرار في الأنفس والآفاق . فتجدها كذلك مصداق قوله في واقع حياتها الذي تزاوله .
وتبقى مزية المنهج القرآني في مخاطبة الفطرة بالحقائق الكونية ، لا في صورة " نظرية " ولكن في صورة " واقعية " . . صورة تتجلى من ورائها يد المبدع ، وتقديره ، ورحمته ، وتدبيره . صورة مؤثرة في العقل والقلب ، موحية للبصيرة والوعي ، دافعة إلى التدبر والتذكر ، وإلى استخدام العلم والمعرفة للوصول إلى الحقيقة الكبرى المتناسقة . . لذلك يعقب على آية النجوم التي جعلها الله للناس ليهتدوا بها في ظلمات البر والبحر هذا التعقيب الموحي :
( قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون ) . .
فالاهتداء بالنجوم في ظلمات البر والبحر يحتاج إلى علم بمسالكها ودوراتها ومواقعها ومداراتها . . كما يحتاج إلى قوم يعلمون دلالة هذا كله على الصانع العزيز الحكيم . . فالاهتداء - كما قلنا - هو الاهتداء في الظلمات الحسية الواقعية ، وفي ظلمات العقل والضمير . . والذين يستخدمون النجوم للاهتداء الحسي ، ثم لا يصلون ما بين دلالتها ومبدعها ، هم قوم لم يهتدوا بها تلك الهداية الكبرى ؛ وهم الذين يقطعون بين الكون وخالقه ، وبين آيات هذا الكون ودلالتها على المبدع العظيم . .
وقوله : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } قال بعض السلف : من اعتقد في هذه النجوم غير ثلاث فقد أخطأ وكذب على الله : أن الله جعلها زينة للسماء{[10985]} ورجوما للشياطين ، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر .
وقوله : { قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ } أي : قد بيناها ووضحناها { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي : يعقلون ويعرفون الحق ويجتنبون{[10986]} الباطل .
{ وَهُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ النّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصّلْنَا الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : والله الذي جعل لكم أيها الناس النجوم أدلة في البرّ والبحر إذا ضللتم الطريق ، أو تحيرتم فلم تهتدوا فيها ليلا تستدلون بها على المحجة ، فتهتدون بها إلى الطريق والمحجة فتسلكونه ، وتنجون بها من ظلمات ذلك ، كما قال جلّ ثناؤه : وَعَلاماتٍ وَبالنّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ : أي من ضلال الطريق في البرّ والبحر ، وعنى بالظلمات : ظلمة الليل ، وظلمة الخطأ والضلال ، وظلمة الأرض أو الماء . وقوله : قَدْ فَصّلْنَا الاَياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ يقول قد ميزنا الأدلة وفرّقنا الحجج فيكم وبيناها أيها لناس ليتدبرها أولو العلم بالله منكم ويفهمها أولو الحجاج منكم ، فينيبوا من جهلهم الذي هم عليه مقيمون ، وينزجروا عن خطأ فعلهم الذي هم عليه ثابتون ، ولا يتمادوا عناداً للّه مع علمهم بأن ما هم عليه مقيمون خطأ في غيهم .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : وَهُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمْ النّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ البَرّ والبَحْرِ قال : يضلّ الرجل وهو في الظلمة والجور عن الطريق .
هذه المخاطبة تعم المؤمنين والكافرين ، فالحجة بها على الكافرين قائمة والعبرة بها للمؤمنين ممكنة متعرضة ، و { جعل } هنا بمعنى خلق لدخولها على مفعول واحد ، وقد يمكن أن تكون بمعنى صير ويقدر المفعول الثاني في { لتهتدوا } لأنه يقدر وهو الذي جعل لكم النجوم هداية ، و { في ظلمات } هي ها هنا على حقيقتها في ظلمة الليل بقرينة النجوم التي لا تكون إلا بالليل ، ويصح أن تكون «الظلمات » ها هنا الشدائد في المواضع التي يتفق أن يهتدى فيها بالشمس ، وذكر الله تعالى النجوم في ثلاث منافع وهي قوله : { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح }{[5029]} وقوله : { وجعلناها رجوماً للشياطين } [ المُلك : 5 ] وقوله : { وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر } فالواجب أن يعتقد أن ما عدا هذه الوجوه من قول أهل التأثير باطل واختلاق على الله وكفر به ، و { فصلنا } معناه بينا وقسمنا و { الآيات } الدلائل و { لقوم يعلمون } تخصيص لهم بالذكر وتنبيه منهم لتحصلهم الآية المفصلة المنصوبة ، وغيرهم تمر عليهم الآيات وهم معرضون عنها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.