في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِذَا بَرِقَ ٱلۡبَصَرُ} (7)

ومن ثم كان الجواب على التهكم بيوم القيامة واستبعاد موعدها ، سريعا خاطفا حاسما ، ليس فيه تريث ولا إبطاء حتى في إيقاع النظم ، وجرس الألفاظ . وكان مشهدا من مشاهد القيامة تشترك فيه الحواس والمشاعر الإنسانية ، والمشاهد الكونية :

( فإذا برق البصر . وخسف القمر ، وجمع الشمس والقمر . يقول الإنسان يومئذ أين المفر ? ) .

فالبصر يخطف ويتقلب سريعا سريعا تقلب البرق وخطفه . والقمر يخسف ويطمس نوره . والشمس تقترن بالقمر بعد افتراق . ويختل نظامهما الفلكي المعهود ، حيث ينفرط ذلك النظام الكوني الدقيق . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَإِذَا بَرِقَ ٱلۡبَصَرُ} (7)

وقال تعالى ها هنا : { فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ } قال أبو عمرو بن العلاء : { بَرِقَ } بكسر الراء ، أي : حار . وهذا الذي قاله شبيه بقوله تعالى : { لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } [ إبراهيم : 43 ] ، بل ينظرون من الفزع هكذا وهكذا ، لا يستقر لهم بصر على شيء ؛ من شدة الرعب .

وقرأ آخرون : " بَرَقَ " بالفتح ، وهو قريب في المعنى من الأول . والمقصود أن الأبصار تنبهر يوم القيامة وتخشع وتحار وتذل من شدة الأهوال ، ومن عظم ما تشاهده يوم القيامة من الأمور .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَإِذَا بَرِقَ ٱلۡبَصَرُ} (7)

وقوله : فإذَا بَرِقَ البَصَرُ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه أبو جعفر القارىء ونافع وابن أبي إسحاق : «فإذَا بَرَقَ » بفتح الراء ، بمعنى شخص وفُتِح عند الموت وقرأ ذلك شيبة وأبو عمرو وعامة قرّاء الكوفة بَرِقَ بكسر الراء ، بمعنى : فزع وشقّ . وقد :

حدثني أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن هارون ، قال : سألت أبا عمرو بن العلاء عنها ، فقال : بَرِقَ بالكسر بمعنى حار . قال : وسألت عنها عبد الله بن أبي إسحاق فقال : «بَرَقَ » بالفتح ، إنما برق الخيطل والنار والبرق . وأما البصر فبرق عند الموت . قال : وأخبرت بذلك ابن أبي إسحاق ، فقال : أخذت قراءتي عن الأشياخ نصر بن عاصم وأصحابه ، فذكرت لأبي عمرو ، فقال : لكن لا آخذ عن نصر ولا عن أصحابه ، فكأنه يقول : آخذ عن أهل الحجاز .

وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب كسر الراء فإذَا بَرِقَ بمعنى : فزع فشُقّ وفُتِح من هول القيامة وفزع الموت . وبذلك جاءت أشعار العرب . أنشدني بعض الرواة عن أبي عُبيدة الكلابي :

لَما أتانِي ابْنُ صُبَيْحٍ رَاغِبا *** أعْطَيْتُهُ عَيْساء مِنْها فَبرَقْ

وحُدثت عن أبي زكريا الفرّاء قال : أنشدني بعض العرب :

نَعانِي حَنانَةُ طُوْبالَةً *** تَسَفّ يَبِيسا مِنَ الْعِشْرقِ

فنَفْسَكَ فانْعَ وَلا تَنْعَنِي *** ودَاوِ الْكُلومَ وَلاَ تَبْرَقِ

بفتح الراء ، وفسّره أنه يقول : لا تفزع من هول الجراح التي بك قال : وكذلك يْبرُق البصر يوم القيامة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فإذَا بَرِقَ البَصَرُ يعني يبرق البصر : الموت ، وبروق البصر : هي الساعة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : بَرِقَ البَصَرُ قال : عند الموت .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فإذَا بَرِقَ البَصَرُ شخص البصر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَإِذَا بَرِقَ ٱلۡبَصَرُ} (7)

فإذا برق البصر تحير فزعا من برق فدهش بصره وقرأ نافع بالفتح وهو لغة أو من البريق بمعنى لمع من شدة شخوصه وقرئ بلق من بلق الباب إذا انفتح .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَإِذَا بَرِقَ ٱلۡبَصَرُ} (7)

عُدل عن أن يجابوا بتعيين وقت ليوم القيامة إلى أن يهدَّدوا بأهواله ، لأنهم لم يَكونوا جادِّين في سؤالهم فكان من مقتضى حالهم أن يُنذروا بما يقع من الأهوال عند حلول هذا اليوم مع تضمين تحقيق وقوعه فإن كلام القرآن إرشاد وهدْي ما يترك فُرصَة للهدي والإِرشاد إلاّ انتهزها ، وهذا تهديد في ابتدائه جاء في صورة التعيين لوقت يوم القيامة إيهاماً بالجواب عن سؤالهم كأنه حملٌ لكلامهم على خلاف الاستهزاء على طريقة الأسلوب الحكيم . وفيه تعريض بالتوبيخ على أن فرطوا في التوقي من ذلك اليوم واشتغلوا بالسؤال عن وقته . وقريب منه ما روي أن رجلاً من المسلمين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم « متى الساعة ؟ فقال له : مَاذا أعددت لها » .

فإن هذه الأحوال المذكورة في الآية مما يقع عند حلول الساعة وقيام القيامة فكان ذلك شيئاً من تعيين وقته بتعيين أشراطه .

والفاء لتفريع الجواب عن السؤال .

و { بَرِق } قرأه الجمهور بكسر الراء ، ومعناه : دُهِش وبُهت ، يقال : برِق يَبرَق فهو بَرِق من باب فرح فهو من أحوال الإِنسان .

وإنما أسند في الآية إلى البصر على سبيل المجاز العقلي تنزيلاً له منزلة مكان البرق لأنه إذا بهت شخص بصره . كما أسند الأعشى البَرَق إلى الأعين في قوله :

كذلك فافْعَلْ ما حييت إِذَا شتوا *** وأقدِمْ إذا ما أعينُ الناس تفرَق

وقرأه نافع وأبو جعفر بفتح الراء من البريق بمعنى اللمعان ، أي لَمَع البصر من شدة شخوصه ، ومضارعه يبرُق بضم الراء . وإسناده إلى البصر حقيقة .

ومآل معنى القراءتين واحد وهو الكناية عن الفزع والرعب كقوله تعالى : { واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا } [ الأنبياء : 97 ] ، فلا وجه لترجيح الطبري قراءة الجمهور على قراءة نافع وأبي جعفر ، لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى ولا من مقتضى التفسير .

والتعريف في { البصر } للجنس المرادِ به الاستغراق ، أي أبصار الناس كلهم من الشدة الحاصلة في ذلك الوقت على أنهم متفاوتون في الرعب الحاصل لهم على تفاوتهم فيما يُعرضون عليه من طرائققِ منازلهم .