اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَإِذَا بَرِقَ ٱلۡبَصَرُ} (7)

قوله تعالى : { فَإِذَا بَرِقَ البصر } . قرأ نافع وأبان{[58647]} عن عاصم : بَرَق بفتح الراء .

والباقون : بالكسر .

فقيل : لغتان في التحيُّر والدهشة ، ومعناه لمع بصره من شدَّة شخوصه ، فتراه لا يطرف .

وقيل : بَرِق - بالكسر - تحيَّر فزعاً .

قال الزمخشري : «وأصله من بَرِق الرجل إذا نظر إلى البرقِ فدُهِش بصرهُ » .

قال غيره : كما يقال : أسد وبقر ، إذا رأى أسداً وبقراً كثيراً فتحيّر من ذلك .

قال ذو الرمة : [ الطويل ]

4986 - وكُنْتُ أرَى في وجْهِ ميَّةَ لمْحعةً*** فأبْرَقُ مَغْشِياً عَليَّ مَكانِيَا{[58648]}

وأنشد الفراء رحمه الله : [ المتقارب ]

4987 - فَنفْسَكَ فَانْعَ ولا تَنْعَنِي*** ودَاوِ الكُلُومَ ولا تَبْرقِ{[58649]}

أي : لا تفزع من كثرة الكلوم التي بك .

و «بَرَق » بالفتح : من البريق ، أي : لمع من شدَّة شُخُوصه .

وقال مجاهد وغيره : وهذا عند الموت{[58650]} .

وقال الحسن : يوم القيامة ، قال : وفيه معنى الجواب عما سأل عنه الإنسان ، كأنه قال : يوم القيامة إذا برق البصر ، وخسف القمر{[58651]} .

وقيل : عند رؤية جهنم .

قال الفراء والخليل : «برِق » - بالكسر - : فَزِع وبُهِت وتحيّر ، والعرب تقول للإنسان المتحيِّر المبهوت : قد برِق فهو برِقٌ .

وقيل : «بَرِق ، يَبْرَقُ » بالفتح : شق عينيه وفتحهما . قاله أبو عبيدة ، وأنشد قول الكلابيِّ : [ الرجز ]

4988 - لمَّا أتَانِي ابنُ عُمَيْر راغِباً*** أعْطيتُه عِيساً صِهَاباً فَبرِقْ{[58652]}

أي : فتح عينيه . قرأ أبو السمال{[58653]} : «بَلِق » باللام .

قال أهل اللغة إلا الفرّاء : معناه «فُتِح » ، يقال : بَلقْت الباب وأبلقتُه : أي : فتحتُه وفرَّجتُه .

وقال الفراء : هو بمعنى أغلقته .

قال ثعلب : أخطأ الفراء في ذلك .

ثم يجوز أن يكون مادة «بَلَقَ » غير مادة «بَرَقَ » ، ويجوز أن تكون مادةً واحدة بُدِّل فيها حرف من آخر ، وقد جاء إبدال «اللام » من الراء في أحرف ، قالوا : «نثر كنانته ونثلها » وقالوا : «وجل ووجر » فيمكن أن يكون هذا منه ، ويؤيده أن «برق » قد أتى بمعنى شق عينيه وفتحهما ، قاله أبو عبيدة ، وأنشد [ الرجز ]

4989 - لمَّا أتَانِي ابن عُمَيْرٍ{[58654]} *** . . .

البيت المتقدم .

أي : ففتح عينيه فهذا مناسب ل «بلق » .


[58647]:ينظر: السبعة 661، والحجة 6/345، وإعراب القراءات 2/414، وحجة القراءات 736.
[58648]:ينظر ديوان ذي الرمة 2/1308، والبحر 8/373، والدر المصون 6/427. وقد نسبه أبو حيان إلى الأعشى وتابعه تلميذه السمين في الدر وهذا خطأ.
[58649]:البيت لطرفة بن العبد ينظر ديوان طرفة ص 70، ومعاني القرآن للفراء 3/209، والطبري 29/112، واللسان (برق)، والقرطبي (19/63)، والدر المصون (6/427).
[58650]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/331) عن مجاهد.
[58651]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (19/63).
[58652]:ينظر مجاز القرآن 2/277، وإصلاح المنطق ص 52، 217، والطبري 29/112، ومجمع البيان 1/596، والدر المصون 6/427.
[58653]:ينظر: الكشاف 4/660، والبحر المحيط 8/376، والدر المصون 6/427.
[58654]:تقدم.