ثم تجيء قصة الرجلين والجنتين تضرب مثلا للقيم الزائلة والقيم الباقية ، وترسم نموذجين واضحين للنفس المعتزة بزينة الحياة ، والنفس المعتزة بالله . وكلاهما نموذج إنساني لطائفة من الناس : صاحب الجنتين نموذج للرجل الثري ، تذهله الثروة ، وتبطره النعمة ، فينسى القوة الكبرى التي تسيطر على أقدار الناس والحياة . ويحسب هذه النعمة خالدة لا تفنى ، فلن تخذله القوة ولا الجاه . وصاحبه نموذج للرجل المؤمن المعتز بإيمانه ، الذاكر لربه ، يرى النعمة دليلا على المنعم ، موجبة لحمده وذكره ، لا لجحوده وكفره . وتبدأ القصة بمشهد الجنتين في ازدهار وفخامة :
( واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب ، وحففناهما بنخل ، وجعلنا بينهما زرعا . كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا ، وفجرنا خلالهما نهرا . وكان له ثمر ) . .
فهما جنتان مثمرتان من الكروم ، محفوفتان بسياج من النخيل ، تتوسطهما الزروع ، ويتفجر بينهما نهر . . إنه المنظر البهيج والحيوية الدافقة والمتاع والمال :
يقول الله تعالى بعد ذكر{[18170]} المشركين المستكبرين عن مجالسة{[18171]} الضعفاء والمساكين من المسلمين ، وافتخروا عليهم بأموالهم وأحسابهم ، فضرب لهم{[18172]} مثلا برجلين ، جعل الله { لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ } أي : بستانين من أعناب ، محفوفتين بالنخل{[18173]} المحدقة في جنباتهما ، وفي خلالهما الزروع ، وكل من الأشجار والزروع مثمر مُقبلٌ في غاية الجود ؛ ولهذا قال : { كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاضْرِبْ لهُمْ مّثَلاً رّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً * كِلْتَا الْجَنّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمِ مّنْهُ شَيْئاً وَفَجّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً * وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لَصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزّ نَفَراً } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واضرب يا محمد لهؤلاء المشركين بالله ، الذين سألوك أن تطرُد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ، مَثلاً مثل رَجُلَينِ جَعَلْنا لأَحَدهِما جَنّتَيْنِ أي جعلنا له بساتين من كروم وحَفَفْناهُمَا بنَخْلٍ يقول : وأطفنا هذين البساتين بنخل . وقوله : وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعا يقول : وجعلنا وسط هذين البساتين زرعا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.