في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ كِتَٰبٗا فَهُمۡ عَلَىٰ بَيِّنَتٖ مِّنۡهُۚ بَلۡ إِن يَعِدُ ٱلظَّـٰلِمُونَ بَعۡضُهُم بَعۡضًا إِلَّا غُرُورًا} (40)

39

والجولة الثانية في السماوات والأرض ، لتقصِّي أي أثر أو أي خبر لشركائهم الذين يدعونهم من دون الله ، والسماوات والأرض لا تحس لهم أثراً ، ولا تعرف عنهم خبراً :

( قل : أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله ? أروني ماذا خلقوا من الأرض ? أم لهم شرك في السماوات ? أم آتيناهم كتاباً فهم على بينة منه ? بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضاً إلا غروراً ) .

والحجة واضحة والدليل بين . فهذه الأرض بكل ما فيها ومن فيها . هذه هي مشهودة منظورة . أي جزء فيها أو أي شيء يمكن أن يدعي مدع أن أحداً - غير الله - خلقه وأنشأه ! إن كل شيء يصرخ في وجه هذه الدعوى لو جرؤ عليها مدع . وكل شيء يهتف بأن الذي أبدعه هو الله ؛ وهو يحمل آثار الصنعة التي لا يدعيها مدع ، لأنه لا تشبهها صنعة ، مما يعمل العاجزون أبناء الفناء !

( أم لهم شرك في السماوات ? ) . .

ولا هذه من باب أولى ! فما يجرؤ أحد على أن يزعم لهذه الآلهة المدعاة مشاركة في خلق السماوات ، ولا مشاركة في ملكية السماوات . كائنة ما كانت . حتى الذين كانوا يشركون الجن أو الملائكة . . فقصارى ما كانوا يزعمون أن يستعينوا بالشياطين على إبلاغهم خبر السماء . أو يستشفعوا بالملائكة عند الله . ولم يرتق ادعاؤهم يوماً إلى الزعم بأن لهم شركاً في السماء !

( أم آتيناهم كتاباً فهم على بينة منه ? ) . .

وحتى هذه الدرجة - درجة أن يكون الله قد آتى هؤلاء الشركاء كتابا فهم مستيقنون منه ، واثقون بما فيه - لم يبلغها أولئك الشركاء المزعومون . . والنص يحتمل أن يكون هذا السؤال الإنكاري موجهاً إلى المشركين أنفسهم - لا إلى الشركاء - فإن إصرارهم على شركهم قد يوحي بأنهم يستمدون عقيدتهم هذه من كتاب أوتوه من الله فهم على بينة منه وبرهان . وليس هذا صحيحاً ولا يمكن أن يدعوه . وعلى هذا المعنى يكون هناك إيحاء بأن أمر العقيدة إنما يتلقى من كتاب من الله بيّن . وأن هذا هو المصدر الوحيد الوثيق . وليس لهم من هذا شيء يدعونه ؛ بينما الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] قد جاءهم بكتاب من عند الله بيّن . فما لهم يعرضون عنه ، وهو السبيل الوحيد لاستمداد العقيدة ? !

( بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضاً إلا غروراً ) . .

والظالمون يعد بعضهم بعضاً أن طريقتهم هي المثلى ؛ وأنهم هم المنتصرون في النهاية . وإن هم إلا مخدوعون مغرورون ، يغر بعضهم بعضاً ، ويعيشون في هذا الغرور الذي لا يجدي شيئاً . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ كِتَٰبٗا فَهُمۡ عَلَىٰ بَيِّنَتٖ مِّنۡهُۚ بَلۡ إِن يَعِدُ ٱلظَّـٰلِمُونَ بَعۡضُهُم بَعۡضًا إِلَّا غُرُورًا} (40)

يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين : { أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } أي : من الأصنام والأنداد ، { أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ } أي : ليس لهم شيء من ذلك ، ما يملكون من قطمير .

وقوله : { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ } أي : أم أنزلنا عليهم كتابا بما يقولون من الشرك والكفر ؟ ليس الأمر كذلك ، { بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلا غُرُورًا } أي : بل إنما اتبعوا في ذلك أهواءهم وآراءهم وأمانيهم التي تمنوها لأنفسهم ، وهي غرور وباطل وزور .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمۡ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ كِتَٰبٗا فَهُمۡ عَلَىٰ بَيِّنَتٖ مِّنۡهُۚ بَلۡ إِن يَعِدُ ٱلظَّـٰلِمُونَ بَعۡضُهُم بَعۡضًا إِلَّا غُرُورًا} (40)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ الّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىَ بَيّنَةٍ مّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاّ غُرُوراً } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد لمشركي قومك أرأيْتُمْ أيها القوم شُرَكاءَكُمُ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أرُونِي ماذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ يقول : أروني أيّ شيء خلقوا من الأرض أمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السّمَوَاتِ يقول : أم لشركائكم شرك مع الله في السموات ، إن لم يكونوا خَلَقوا من الأرض شيئا أَمْ آتَيْناهُمْ كِتابا فَهُمْ عَلى بَيّنَةٍ مِنْهُ يقول : أم آتينا هؤلاء المشركين كتابا أنزلناه عليهم من السماء بأن يشركوا بالله الأوثان والأصنام ، فهم على بيّنة منه ، فهم على برهان مما أمرتهم فيه من الإشراك بي . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قُلْ أرأيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أرُونِي ماذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ لا شيء والله خَلَقوا منها أمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السّمَوَاتِ لا والله ما لهم فيها شرك أمْ آتَيْناهُمْ كِتابا فَهُمْ عَلى بَيّنَةٍ منه ، يقول : أم آتيناهم كتابا فهو يأمرهم أن يشركوا .

وقوله : بَلْ إنْ يَعِدُ الظّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضا إلاّ غُرُورا وذلك قول بعضهم لبعض : ما نعْبُدُهُمْ إلاّ لِيُقَرّبُونا إلى اللّهِ زُلْفَى خداعا من بعضهم لبعض وغرورا ، وإنما تزلفهم آلهتهم إلى النار ، وتقصيهم من الله ورحمته .