في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ قَدۡ وَقَعَ عَلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ رِجۡسٞ وَغَضَبٌۖ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيٓ أَسۡمَآءٖ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٖۚ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ} (71)

59

ومن ثم كان الجواب حاسماً وسريعاً في رد الرسول :

( قال : قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب . أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان ؟ فانتظروا ، إني معكم من المنتظرين ) .

لقد أبلغهم العاقبة التي أنبأه بها ربه ، والتي قد حقت عليهم فلم يعد عنها محيص . . إنه العذاب الذي لا دافع له ، وغضب الله المصاحب له . . ثم جعل بعد هذا التعجيل لهم بالعذاب الذي استعجلوه ؛ يكشف لهم عن سخافة معتقداتهم وتصوراتهم :

أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وأباؤكم ما نزل الله بها من سلطان ؟ . .

إن ما تعبدون مع الله ليس شيئاً ذا حقيقة ! إنها مجرد أسماء أطلقتموها أنتم وآباؤكم ؛ من عند أنفسكم ، لم يشرعها الله ولم يأذن بها ، فما لها إذن من سلطان ولا لكم عليها من برهان .

والتعبير المتكرر في القرآن : ( ما نزل الله بها من سلطان ) . . هو تعبير موح عن حقيقة أصيلة . . إن كل كلمة أو شرع أو عرف أو تصور لم ينزله الله ، خفيف الوزن ، قليل الأثر ، سريع الزوال . . إن الفطرة تتلقى هذا كله في استخفاف ، فإذا جاءت الكلمة من الله ثقلت واستقرت ونفذت إلى الأعماق ، بما فيها من سلطان الله الذي يودعها إياه .

وكم من كلمات براقة ، وكم من مذاهب ونظريات ، وكم من تصورات مزوقة ، وكم من أوضاع حشدت لها كل قوى التزيين والتمكين . . ولكنها تتذاوب أمام كلمة من الله ، فيها من سلطانه - سبحانه - سلطان !

وفي ثقة المطمئن ، وقوة المتمكن ، يواجه هود قومه بالتحدي :

( فانتظروا ، إني معكم من المنتظرين ) . .

إن هذه الثقة هي مناط القوة التي يستشعرها صاحب الدعوة إلى الله . . إنه على يقين من هزال الباطل وضعفه وخفة وزنه مهما انتفش ومهما استطال . كما أنه على يقين من سلطان الحق الذي معه وقوته بما فيه من سلطان الله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ قَدۡ وَقَعَ عَلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ رِجۡسٞ وَغَضَبٌۖ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيٓ أَسۡمَآءٖ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٖۚ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ} (71)

ولهذا قال هود ، عليه السلام : { قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ } أي : قد وجب عليكم بمقالتكم هذه من ربكم رجس [ وغضب ]{[11873]} قيل : هو مقلوب من رجز . وعن ابن عباس : معناه السخَط والغضب .

{ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ } أي : أتحاجوني{[11874]} في هذه الأصنام التي سميتموها أنتم وآباؤكم آلهة ، وهي لا تضر ولا تنفع ، ولا جعل الله لكم على عبادتها حجة ولا دليلا ؛ ولهذا قال : { مَا نزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ }


[11873]:زيادة من م.
[11874]:في م، د: "أتجادلونني".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَالَ قَدۡ وَقَعَ عَلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ رِجۡسٞ وَغَضَبٌۖ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيٓ أَسۡمَآءٖ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٖۚ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ} (71)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مّن رّبّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونِي فِيَ أَسْمَآءٍ سَمّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ مّا نَزّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوَاْ إِنّي مَعَكُمْ مّنَ الْمُنْتَظِرِينَ } .

يقول تعالى ذكره : قال هود لقومه : قد حلّ بكم عذاب وغضب من الله . وكان أبو عمرو بن العلاء فيما ذُكر لنا عنه ، يزعم أن الرجز والرجس بمعنى واحد ، وأنها مقلوبة ، قُلبت السين زايا ، كما قلبت شئز وهي من شئس بسين ، وكما قالوا قربوس وقربوز ، وكما قال الراجز :

ألا لَحَى اللّهُ بَنِي السّعْلاتِ ***عَمْرِو بْنِ يَرْبُوعٍ لِئامِ النّاتِ

***لَيْسُوا بأعْفافٍ وَلا أكْياتِ ***

يريد الناس . وأكياس فقُلبت السين تاء ، كما قال رؤبة :

كَمْ قَدْ رأيْنا مِنْ عَدِيدِ مُبْزِي ***حتى وَقَمْنا كَيْدَهُ بالرّجْزِ

ورُوي عن ابن عباس أنه كان يقول : الرجز : السخط .

حدثني بذلك المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ رِجْسٌ يقول : سخط .

وأما قوله : أتُجادِلُونَنِي في أسْماءٍ سَمّيْتمُوها أنْتُمْ وآباؤُكُمْ فإنه يقول : أتخاصمونني في أسماء سميتموها أصناما لا تضرّ ولا تنفع أنتم وآباؤكم ما نَزّلَ اللّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ يقول : ما جعل الله لكم في عبادتكم إياها من حجة تحتجون بها ولا معذرة تعتذرون بها . لأن العبادة إنما هي لمن ضرّ ونفع وأثاب على الطاعة وعاقب على المعصية ورزق ومنع ، فأما الجماد من الحجارة والحديد والنحاس فإنه لا نفع فيه ولا ضرّ ، إلاّ أن تتخذ منه آلة ، ولا حجة لعابد عبده من دون الله في عبادته إياه لأن الله يأذن بذلك ، فيعذر من عبده بأنه يعبده اتباعا منه أمر الله في عبادته إياه ، ولا هو إذ كان الله لم يأذن في عبادته مما يرجى نفعه أو يخاف ضرّه في عاجل أو آجل ، فيعبد رجاء نفعه أو دفع ضرّه . فانْتَظِرُوا إنّي مَعَكُمْ مِنَ المُنْتَظِرينَ يقول : فانتظروا حكم الله فينا وفيكم ، إني معكم من المنتظرين حكمه وفصل قضائه فينا وفيكم .