اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ قَدۡ وَقَعَ عَلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ رِجۡسٞ وَغَضَبٌۖ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيٓ أَسۡمَآءٖ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٖۚ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ} (71)

فصل في تفسير هذه الآية

قال القَاضِي{[16422]} : تفسير هذه الآية على قولنا ظاهر ؛ لأنَّ بعد كفرهم وتكذيبهم

حدثت هذه الإرادة ، واعلمْ أنَّ هذا بَاطِلٌ ؛ لأنَّ في الآية وجوهاً من التَّأويل{[16423]} .

أحدها : أنَّهُ تعالى أخبر في ذلك الوقت بنزول العذابِ عليهم ، فلمَّا حدث الإعلام في ذلك الوقت ، لا جرم قال هُودٌ في ذلك الوقت : { قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ } .

وثانيها : أنَّهُ جعل المُتَوقَّع الذي لا بُدَّ من نزوله بمنزلة الواقع ، كقوله : { أتى أَمْرُ الله } [ النحل : 1 ] .

وثالثها : أن يحمل قوله : " وقع " على معنى وجد وجعل ، والمعنى : إرادة إيقاع العذاب عليكم حصلت من الأزل .

قوله : " مِن رَّبِّكُمْ " إمَّا متعلق ب " وقع " و " من " للابتداء مجازاً ، وإمَّا أن يتعلق بمحذوف لأنَّهَا حال ، إذْ كانت في الأصل صفة ل " رجس " .

والرِّجْس : العذاب والسين مبدلة من الزاي .

وقال ابن الخطيب : لا يمكن أن يكون المراد لأنَّ المُرادَ من الغضب العذابُ ، فلو حملنا الرِّجْسَ عليه لَزِمَ التَّكْرِيرُ ، وأيضاً الرجس ضد التطهير قال تعالى : { لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } [ الأحزاب : 33 ] والمرادُ التَّظْهِيرُ عن العقائد الباطلةِ .

وإذا ثبت هذا فالمراد بالرجس أنَّهُ تعالى خصّهم بالعقائِدِ المذمُومَةِ ، فيكون المعنى أنَّهُ تعالى زادهم كُفْراً ثم خصَّهم بمزيدِ الغضبِ .

قوله : " أتُجَادِلُونَنِي " استفهام على سبيل الإنْكَارِ في أسماء الأصنام وذلك أنهم كانوا يسمون الأصْنَامَ بالآلهة ، مع أن معنى الإلهية فيها معدومٌ ، سموا واحداً منها بالعُزَّي مشتقاً من العزِّ ، والله - تعالى - ما أعطاه عِزّاً أصلاً ، وسمُّوا آخر منها باللاَّتِ ، وليس له من الإلهية شيء .

قوله : " سَمَّيْتُمُوهَا " صفة ل " أسْمَاء " ، وكذلك الجملة من قوله : { مَّا نَزَّلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ } يُدلُّ على خلوِّ مذاهبهم عن الحُجَّةِ .

و " مِنْ سُلْطَانِ " مفعول " نزَّلَ " ، و " مِنْ " مزيدةٌ ، ثمَّ إنَّهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ذكر لهم وعيداً مجرَّداً فقال : فانتظروا ما يحصل لكم من عبادة الأصْنَامِ إنِّي معكم من المنتظرين .

فقوله : " مِنَ المُنْتَظِريْنَ " خبر " إني " ، و " مَعَكُمْ " فيه ما تقدَّم في قوله : { إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين } ، ويجوزُ - وهو ضعيف - أن يكون " مَعَكُمْ " هو الخبر و " مِنَ المُنْتَظِرِينَ " حال ، والتقديرُ : إني مصاحبكم حال كوني من المنتظرين النّصر والفرج من الله ، وليس بذلك ؛ لأنَّ المقصُودَ بالكلامِ هو الانتظار ، لمقابلة قوله : " فانْتَظِرُوا " فلا يُجعل فضلة .


[16422]:ينظر: تفسير الرازي 14/129.
[16423]:ينظر المصدر السابق 14/129-130.