التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{قَالَ قَدۡ وَقَعَ عَلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ رِجۡسٞ وَغَضَبٌۖ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيٓ أَسۡمَآءٖ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٖۚ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ} (71)

وإزاء هذا التحدى السافر من قوم هود له ولدعوته ولوعيد الله لهم ، ما كان من هود - عليه السلام - إلا أن جابههم بالرد الحاسم الذي تتجلى فيه الشجاعة التامة ، والثقة الكاملة بأن الله سينصره عليهم وينتقم له منهم .

{ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ } أى : قال هود لقومه بعد أن لجوا في طغيانهم : قد حق ووجب عليكم من قبل ربكم عذاب وسخط بسبب إصراركم على الكفر والعناد .

والرجس والرجز بمعنى ، وأصل معناه الاضطراب يقال : رجست السماء أى : رعدت رعداً شديداً ، وهم في مرجوسة من أمرهم أى : في اختلاط والتباس . ثم شاع في العذاب لاضطراب من حل به .

وعبر عن العذاب المتوقع وقوعه بأنه { قَدْ وَقَعَ } مبالغة في تحقيق الوقوع ، وأنه أمر لا مفر لهم منه .

وعطف الغضب على الرجس ، للإشارة إلى ما سينزل بهم من عذاب هو انتقام لا يمكن دفعه ، لأنه صادر من الله الذي غضب عليهم بسبب كفرهم ، وبعد أن أنذرهم هددهم بوقوع العذاب عليهم ، ووبخهم على مجادلتهم إياه بدون علم فقال : { أتجادلونني في أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ } أى : أتجادلونى وتخاصمونى في شأن أشياء ما هى إلا أسماء ليس تحتها مسميات ، لأنكم تسمونها آلهة مع أن معنى الإلهية فيها معدوم ومحال وجوده إذ المستحق للعبادة إنما هو الله الذي خلق كل شىء ، أما هذه الأصنام التي زعمتم أنها آلهة فهى لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا .

فأنت ترى أن هوداً - عليه السلام - قد حول آلهتهم إلى مجرد أسماء لا تبلغ أن تكون شيئاً وراء الاسم الذي يطلق عليها ، وهذا أعمق في الإنكار عليهم ، والاستهزاء بعقولهم .

وقوله : { مَّا نَزَّلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ } أى : ما أنزل الله بها من حجة أو دليل يؤيد زعمكم في ألوهيتها أو في كونها شفعاء لكم عند الله ، وإنما هى أصنام باطلة قلدتم آباءكم في عبادتها بدون علم أو تفكير .

ثم هدد بالعاقبة المقررة المحتومة فقال : { فانتظروا إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين } أى : فانتظروا نزول العذاب الذي استعجلتموه وطلبتموه حين قلتم { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ } فإنى معكم من المنتظرين لما سيحل بكم بسبب شرككم وتكذيبكم .