إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَ قَدۡ وَقَعَ عَلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ رِجۡسٞ وَغَضَبٌۖ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيٓ أَسۡمَآءٖ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٖۚ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ} (71)

{ قال قد وقع عليكم } أي وجب وحق أو نزل بإصراركم هذا بناءً على تنزيل المتوقَّع منزلةَ الواقعِ كما في قوله تعالى : { أتى أمرُ الله } [ النحل ، الآية 1 ] { من ربكم } أي من جهته تعالى . وتقديمُ الظرف الأولِ على الثاني مع أن مبدأ الشيءِ متقدمٌ على منتهاه للمسارعة إلى بيان إصابةِ المكروهِ لهم ، وكذا تقديمُه على الفاعل الذي هو قوله تعالى : { رجس } مع ما فيه من التشويق إلى المؤخّر ، ولأن فيه نوعَ طولٍ بما عُطف عليه من قوله تعالى : { وغضبٌ } فربما يُخِل تقديمُها بتجاوب النظمِ الكريم ، والرجسُ العذابُ من الارتجاس الذي هو الاضطرابُ ، والغضب إرادةُ الانتقامِ ، وتنوينُهما للتفخيم والتهويل { أتجادلونني في أسماء } عاريةٍ عن المسمّى { سمّيتموها } أي سميتم بها { أنتم وآباؤكم } إنكارٌ واستقباح لإنكارهم مجيئَه عليه السلام داعياً لهم إلى عبادة الله تعالى وحده وتركِ عبادةِ الأصنام أي أتجادلونني في أشياءَ سمَّيتموها آلهةً ليست هي إلا محضُ الأسماءِ من غير أن يكون فيها من مصداق الإلهية شيءٌ ما لأن المستحِقَّ للمعبوديّة بالذات ليس إلا من أوجد الكلَّ وأنها لو استحقت لكان ذلك بجعله تعالى إما بإنزال آيةٍ أو نصبِ حُجةٍ وكلاهما مستحيلٌ ، وذلك قوله تعالى : { ما نزل الله بها من سلطان } وإذ ليس ذلك في حيز الإمكانِ تحققَ بُطلانُ ما هم عليه { فانتظروا } مترتبٌ على قوله تعالى : { قد وقع عليكم } أي فانتظروا ما تطلُبونه بقولكم : فائتنا بما تعدنا ، الخ { إني معكم من المنتظرين } لما يَحِلُّ بكم .