محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قَالَ قَدۡ وَقَعَ عَلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ رِجۡسٞ وَغَضَبٌۖ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيٓ أَسۡمَآءٖ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٖۚ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ} (71)

[ 71 ] { قال قد وقع عليكم من ربكم رجس } أي عذاب . والرجس والرجز بمعنى ، حتى قيل إن أحدهما مبدل من الآخر ، كالأسد والأزد . وأصل معناه الاضطراب . يقال : رجست السماء : رعدت شديدا وتمخضت ، وهم في مرجوسة من أمرهم ، أي في اختلاط والتباس ، ثم شاع في العذاب لاضطراب من حلّ به . وادعى بعضهم أن الرجس بمعنى العذاب مجاز ، قال : لأنه حقيقة في الشيء القذر ، فاستعير لجزائهم . وظاهر اللغة أنه حقيقة . ووجه التعبير بالمضي عما سيقع ، تنزيل المتوقع كالواقع كما في { أتى أمر الله }{[4068]} { وغضب } أي سخط لإشراككم معه من هو في غاية النقص ، في أعلى كمالاته التي هي الإلهية { أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم } أي في أشياء ما هي إلا أسماء ليس تحتها مسميات ، / لأنكم تسمونها آلهة ، ومعنى الإلهية فيها معدوم ومحال وجوده . وهذا كقوله تعالى : { ما يدعون من دونه من شيء }{[4069]} كذا في ( الكشاف ) .

قال الشهاب : جعل الأسماء عبارة عن الأصنام الباطلة ، كما يقال لما لا يليق : ما هو إلا مجرد اسم . فالمعنى : أتجادلونني في مسميات لها أسماء لا تليق بها ، فتوجه الذم للتسمية ، الخالية عن المعنى . والضمير حينئذ راجع ل { أسماء } وهي المفعول الأول للتسمية ، والثاني آلهة ، ولو عكس لزم الاستخدام- انتهى- .

وقوله تعالى : { ما نزل الله بها من سلطان } أي حجة ودليل على هذه التسمية ، لأن المستحق للمعبودية بالذات ليس إلا من أوجد الكل ، وإنها لو استحقت لكان ذلك بجعله تعالى ، إما بإنزال آية أو نصب حجة وكلاهما مستحيل ، فتحقق بطلان ما هم عليه .

قال الجشمي : دلت الآية على فساد التقليد ، حين ذمهم بسلوك طريقة آبائهم . وتدل على أن المعارف مكتسبة . وتدل على بطلان مذهب لا دليل عليه . ويدل قوله : { أتجادلونني } على أن المبطل مذموم في جداله ، والواجب عليه النظر ليعرف الحق . انتهى .

وقال القاضي : بين تعالى أن منتهى حجتهم وسندهم ، أن الأصنام تسمى آلهة من غير دليل يدل على تحقيق المسمى ، وإسناد الإطلاق إلى من لا يؤبه بقوله ، إظهارا لغاية جهالتهم ، وفرط غباوتهم .

{ فانتظروا } أي : نزول العذاب الذي طلبتموه بقولكم : { فأتنا بما تعدنا } ، لأنه وضح الحق ، وأنتم مصرّون على العناد { إني معكم من المنتظرين } أي : لما يحل بكم .

قال المهايمي : فجاء منتظرهم بحيث لا ينجو منه ، بمجرى العادة ، أحد ، وجعل من قبيل الريح التي تتقدم الأمطار ، لكفرهم برياح الإرسال .


[4068]:- [16/ النحل/ 1] ونصها: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون (1)}.
[4069]:- [29/ العنكبوت/ 42] ونصها: {إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم (42)}.