في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٖ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُنتَصِرِينَ} (81)

76

وعندما تبلغ فتنة الزينة ذروتها ، وتتهافت أمامها النفوس وتتهاوى ، تتدخل يد القدرة لتضع حدا للفتنة ، وترحم الناس الضعاف من إغرائها ، وتحطم الغرور والكبرياء تحطما . ويجيء المشهد الثالث حاسما فاصلا :

( فخسفنا به وبداره الأرض ، فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله ، وما كان من المنتصرين ) . .

هكذا في جملة قصيرة ، وفي لمحة خاطفة : ( فخسفنا به وبداره الأرض )فابتلعته وابتعلت داره ، وهوى في بطن الأرض التي علا فيها واستطال فوقها جزاء وفاقا . وذهب ضعيفا عاجزا ، لا ينصره أحد ، ولا ينتصر بجاه أو مال .

وهوت معه الفتنة الطاغية التي جرفت بعض الناس ؛ وردتهم الضربة القاضية إلى الله ؛ وكشفت عن قلوبهم قناع الغفلة والضلال . وكان هذا المشهد الأخير :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٖ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُنتَصِرِينَ} (81)

لما ذكر تعالى اختيال قارون في زينته ، وفخره على قومه وبغيه عليهم ، عقب ذلك بأنه خسف به وبداره الأرض ، كما ثبت في الصحيح - عند البخاري من حديث الزهري ، عن سالم - أن أباه حدثه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به{[22418]} ، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة " .

ثم رواه من حديث جرير بن زيد ، عن سالم عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه{[22419]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا النضر بن إسماعيل أبو المغيرة القاص ، حدثنا الأعمش ، عن عطية{[22420]} ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله{[22421]} صلى الله عليه وسلم : " بينا رجل فيمَنْ كان قبلكم ، خرج في بُرْدَيْن أخضرين يختال فيهما ، أمر الله الأرض فأخذته ، فإنه ليتجلجل فيها إلى يوم القيامة " . تفرد به أحمد{[22422]} ، وإسناده حسن .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا أبو خَيْثَمَةَ ، حدثنا أبو معلى بن منصور{[22423]} ، أخبرني محمد بن مسلم ، سمعت زيادًا النميري يحدث عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينا رجل فيمن{[22424]} كان قبلكم خرج في بردين فاختال فيهما ، فأمر الله الأرض فأخذته ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة " {[22425]} .

وقد ذكر [ الحافظ ]{[22426]} محمد بن المنذر - شكَّر - في كتاب العجائب الغريبة بسنده عن نوفل بن مساحق قال : رأيت شابًّا في مسجد نجران ، فجعلت أنظر إليه وأتعجب من طوله وتمامه وجماله ، فقال : ما لك تنظر إلي ؟ فقلت : أعجب من جمالك وكمالك . فقال : إن الله ليعجب مني . قال : فما زال ينقص وينقص حتى صار بطول الشبر ، فأخذه بعض قرابته في كمه وذهب .

وقد ذُكر أن هلاك قارون كان عن دعوة نبي الله موسى عليه السلام{[22427]} واختلف في سببه ، فعن ابن عباس والسدي : أن قارون أعطى امرأة بَغِيَّا مالا على أن تبهت موسى بحضرة الملأ من بني إسرائيل ، وهو قائم فيهم يتلو عليهم كتاب الله ، فتقول : يا موسى ، إنك فعلت بي كذا وكذا . فلما قالت في الملأ ذلك{[22428]} لموسى عليه السلام ، أرْعِدَ من الفَرَق ، وأقبل عليها{[22429]} وصلى ركعتين ثم قال : أنشدك بالله الذي فَرَق البحر ، وأنجاكم من فرعون ، وفعل كذا و[ فعل ]{[22430]} كذا ، لما أخبرتني بالذي حملك على ما قلت ؟ فقالت : أما إذ نَشَدْتَني فإن قارون أعطاني كذا وكذا ، على أن أقول لك ، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه . فعند ذلك خَرّ موسى لله عز وجل ساجدًا ، وسأل الله في قارون . فأوحى الله إليه أني قد أمرت الأرض أن تطيعك فيه ، فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره فكان{[22431]} ذلك .

وقيل : إن قارون لما خرج على قومه في زينته تلك ، وهو راكب على البغال الشّهب ، وعليه وعلى خدمه الثياب الأرجوان الصّبغة{[22432]} ، فمر في جَحْفَله ذلك على مجلس نبي الله موسى عليه السلام ، وهو يذكرهم بأيام الله . فلما رأى الناس قارون انصرفت وجوه الناس حوله ، ينظرون إلى ما هو فيه . فدعاه موسى عليه السلام ، وقال : ما حملك على ما صنعت ؟ فقال : يا موسى ، أما لئن كنت فُضِّلتَ عَلَيَّ بالنبوة ، فلقد فضلت عليك بالدنيا ، ولئن شئت لتخرجن ، فلتدعون عليّ وأدعو عليك . فخرج وخرج قارون في قومه ، فقال موسى{[22433]} : تدعو أو أدعو أنا ؟ قال : بل أنا أدعو . فدعا قارون فلم يجب له ، ثم قال موسى{[22434]} : أدعو ؟ قال : نعم . فقال موسى : اللهم ، مُر الأرض أن تطيعني{[22435]} اليوم . فأوحى الله إليه أني قد فعلت ، فقال موسى : يا أرض ، خذيهم . فأخذتهم إلى أقدامهم . ثم قال : خذيهم . فأخذتهم إلى ركبهم ، ثم إلى مناكبهم . ثم قال : أقبلي بكنوزهم وأموالهم . قال : فأقبلت بها حتى نظروا إليها . ثم أشار موسى بيده فقال : اذهبوا بني لاوى{[22436]} فاستوت بهم الأرض .

وعن ابن عباس أنه قال : خُسف بهم إلى الأرض السابعة .

وقال قتادة : ذكر لنا أنه يخسف بهم كل يوم قامة ، فهم يتجلجلون فيها إلى يوم القيامة .

وقد ذكر ها هنا إسرائيليات [ غريبة ]{[22437]} أضربنا عنها صفحًا .

وقوله : { فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ } أي : ما أغنى عنه مالُه ، وما جَمَعه ، ولا خدمه و [ لا ]{[22438]} حشمه . ولا دفعوا عنه نقمة الله وعذابه ونكاله [ به ]{[22439]} ، ولا كان هو في نفسه منتصرًا لنفسه ، فلا ناصر له[ لا ]{[22440]} من نفسه ، ولا من غيره .


[22418]:- في ت : "خسف الله به".
[22419]:- صحيح البخاري برقم (5790).
[22420]:- في ت : "وروى الإمام أحمد بإسناده".
[22421]:- في ت : "النبي".
[22422]:- المسند (3/40).
[22423]:- في هـ : "أبو يعلى بن منصور" والصواب ما أثبتناه من مسند أبي يعلى.
[22424]:- في ف ، أ : "ممن".
[22425]:- مسند أبي يعلى (7/279) وقال الهيثمي في المجمع (5/126) : "فيه زياد بن عبد الله النميري وهو ضعيف ، وقد وثقه ابن حبان وقال : يخطئ".
[22426]:- زيادة من ف ، أ.
[22427]:- في ت : "صلى الله عليه وسلم".
[22428]:- في أ : "بذلك".
[22429]:- في أ : "بعد ما".
[22430]:- زيادة من ف ، أ.
[22431]:- في ف ، أ : "وكان".
[22432]:- في ت ، ف ، أ : "المصبغة".
[22433]:- في ت : "صلى الله عليه وسلم". وفي ف ، أ : "عليه السلام".
[22434]:- في ف ، أ : "قال : يا موسى".
[22435]:- في ت : "فلتطعني".
[22436]:- في أ : "اذهبوا به لا أرى".
[22437]:- زيادة من ت ، ف.
[22438]:- زيادة من ت ، ف.
[22439]:- زيادة من أ.
[22440]:- زيادة من أ.