الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٖ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُنتَصِرِينَ} (81)

وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن عبد الله بن الحرث رضي الله عنه ؛ وهو ابن نوفل الهاشمي قال : بلغنا أن قارون أوتي من الكنوز والمال حتى جعل باب داره من ذهب ، وجعل داره كلها من صفائح الذهب ، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون إليه ويروحون ، يطعمهم الطعام ويتحدثون عنده ، وكان مؤذياً لموسى عليه الصلاة والسلام ، فلم تدعه القسوة والهوى حتى أرسل إلى امرأة من بني إسرائيل مذكورة بالجمال كانت تذكر بريبة فقال لها : هل لك أن أموّلك وأعطيك وأخلطك بنسائي على أن تأتيني والملأ من إسرائيل عندي فتقولين : يا قارون ألا تنهي موسى عني ؟ فقالت : بلى . فلمّا جاء أصحابه واجتمعوا عنده ، دعا بها فقامت على رؤوسهم ، فقلب الله قلبها ورزقها التوبة فقالت : ما أجد اليوم توبة أفضل من أن أكذب عدو الله ، وأبرئ رسول الله عليه السلام فقالت : إن قارون بعث إلي فقال : هل لك أن أمولك وأعطيك وأخلطك بنسائي على أن تأتيني والملأ من بني إسرائيل عندي ، وتقولين : يا قارون ألا تنهي موسى عني ، فإني لم أجد اليوم توبة أفضل من أن أكذب عدو الله ، وأبرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنكس قارون رأسه وعرف أنه قد هلك .

وفشا الحديث في الناس حتى بلغ موسى عليه السلام ، وكان موسى عليه السلام شديد الغضب . فلما بلغه توضأ ، ثم صلى وسجد وبكى وقال : يا رب . . . عدوك قارون كان لي مؤذياً ، فذكر أشياء ثم لم ينهاه حتى أراد فضيحتي . يا رب سلطني عليه . فأوحى الله إليه : أن مر الأرض بما شئت تطعك . فجاء موسى إلى قارون ، فلما رآه قارون عرف الغضب في وجهه فقال : يا موسى ارحمني فقال موسى عليه السلام : يا أرض خذيهم ، فاضطربت داره وخسف به وبأصحابه حتى تغيبت أقدامهم ، وساخت دارهم على قدر ذلك فقال قارون : يا موسى ارحمني فقال : يا أرض خذيهم ، فخسف به وبداره وبأصحابه ، فلما خسف به قيل له : « يا موسى ما أفظك أما وعزتي لو إياي دعا لرحمته » وقال أبو عمران الجوني : فقيل لموسى : لا أعبد في الأرض بعدك أحداً .

وأخرج الفريابي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { فخسفنا به وبداره الأرض } قال : خسف به إلى الأرض السفلى .

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق قتادة عن أبي ميمون عن سمرة بن جندب قال : يخسف بقارون وقومه في كل يوم قدر قامة ، فلا يبلغ الأرض السفلى إلى يوم القيامة .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال : ذكر لنا أنه يخسف به كل يوم قامة ، وأنه يتجلجل فيها لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة .

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه ، مثله .

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال : إن الله أمر الأرض أن تطيعه ساعة .

وأخرج عبد بن حميد عن مالك بن دينار رضي الله عنه : أن قارون يخسف به كل يوم قامة .

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال : لما خسف بقارون فهو يذهب وموسى قريب منه قال : يا موسى ادع ربك يرحمني . فلم يجبه موسى حتى ذهب . فأوحى الله إليه « استغاث بك فلم تغثه ، وعزتي وجلالي لو قال : يا رب لرحمته » .

وأخرج أحمد في الزهد عن عون بن عبد الله القاري عامل عمر بن عبد العزيز على ديوان فلسطين أنه بلغه : أن الله عز وجل أمر الأرض أن تطيع موسى عليه السلام في قارون ، فلما لقيه موسى قال للأرض : أطيعيني فأخذته إلى الركبتين ، ثم قال : أطيعيني فوارته في جوفها ، فأوحى الله إليه « يا موسى ما أشد قلبك ، وعزتي وجلالي لو بي استغاث لأغثته » قال : رب غضباً لك فعلت .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله { فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين } قال : ما كانت عنده منعة يمتنع بها من الله تعالى .