تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{فَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٖ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُنتَصِرِينَ} (81)

79

المفردات :

فخسفنا به وبداره الأرض : أي : بقارون ، وخسف : غار في الأرض ، والمراد : جعلنا عاليها سافلها ، أي : أدخله الله وداره في جوف الأرض .

فئة : جماعة

التفسير :

81-{ فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين }

أصاب قارون العجب والكبر والبطر ، وافترى على موسى واستحق غضب السماء ، فزلزل الله به وبداره الأرض ، فخسف به وبداره ، وأصبح هو وداره في حفرة في واد سحيق ، وذهب ثروته وزينته ودمّر كل ذلك تدميرا .

وقد روى البخاري في صحيحه ، من حديث الزهري ، عن سالم ، أن أباه حدثه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( بينا رجل يجر إزاره إذ خسف به ، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة )xxxi .

فالرجل يسير وهو معجب بنفسه ، مغرور متكبر ، يتيه فخرا وتعاليا بثروته أو ماله أو جاهه أو سلطانه أو نفوذه ، ناسيا فضل الله عليه .

وذكر ابن كثير في تفسيره أن هذا الحديث يشير إلى قارون .

وقد وردت أحاديث في الصحيح تفيد أنه لا مانع من تمتع المؤمن بزينة الدنيا وجمالها ، فإن الله جميل يحب الجمالxxxii ، والله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عباده ، والممنوع هو الكبر والخيلاء ومنع المال عن صاحبه ، وحبس المعروف عن مستحقيه ، وأن يتحول الغني إلى أناني مسرف ينفق على نفسه وأسرته ، ويكابر ويتعالى ، ويمنع الحق عن أهله .

ملحق بتفسير الآية

1- يوجد في محافظة الفيوم بحيرة صغيرة تسمى بركة قارون ، ويجوز أن يكون قارون وقومه كانوا يقيمون في هذا المكان ، وأنه خرج على قومه في زينته ، فخسف الله به وبداره الأرض ، وانخفض مستوى الأرض ، وتحول إلى بركة تسمى بركة قارون ، وهذا مجرد احتمال .

2- ذكرت كتب التفسير روايات لا سند لها ، من ذلك ما روي عن قتادة قال : ذكر لنا أنه خرج هو وحشمه ، على أربعة آلاف دابة ، عليهم ثياب حمر ، منها ألف بغلة بيضاء ، وعلى دوابهم قطائف الأرجوان . وقال مقاتل : خرج على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب ، ومعه أربعة آلاف فارس على الخيول ، وعليهم الثياب الأرجوانية ، ومعه ثلاثمائة جارية بيض ، عليهن الحلي والثياب الحمر ، يركبن البغال الشهب . اه .

والمرجح أن مرد ذلك إلى الإسرائيليات ، وفي كتاب الله ما يغني ، فقد خرج في أبهى حلة وزينة ، متظاهرا بكل ما عنده عجبا وتيها ، قال تعالى : { فخرج على قومه في زينته . . }

عود إلى الآية :

{ فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين }

إن الخسف مقصود به ضياع ماله وداره ونفسه ، وما نراه من تهاوي أسعار البورصة ، وأسعار العملات ، وانتشار الأزمات الاقتصادية في الشرق حينا ، وفي الغرب حينا ، ينبغي أن يذكر الناس بأن هناك خسفا للفرد حينا ، وخسفا للأمة حينا ، وأن هناك خسفا حسيا ، وخسفا معنويا .

{ فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين }

أي : لم يغن عنه حشمه ولا خدمه ، ولا جيشه ولا نفسه ، ولم تكن له جماعة تعصمه من الخسف ، أو تنصره ، وما صح ولا استقام أن يكون من الممتنعين من بطش الله ، بأي سبب من أسباب الامتناع ، فإنه لا بد واقع ، وليس له من دافع .

وحريّ بالأمم الإسلامية أن تراقب ربها ، وأن تتقي الله في تصرفاتها وأموالها وسلوكها ، حتى تجني حصاد السعادة في الدنيا ، والنجاة في الآخرة ، قال تعالى : { وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون } [ النحل : 112 ] .