مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{فَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٖ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُنتَصِرِينَ} (81)

{ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض } كان قارون يؤذي موسى عليه السلام كل وقت وهو يداريه للقرابة التي بينهما حتى نزلت الزكاة ، فصالحه عن كل ألف دينار على دينار ، وعن كل ألف درهم على درهم فحسبه فاستكثره فشحت به نفسه فجمع بني إسرائيل وقال : إن موسى يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا : أنت كبيرنا فمر بما شئت قال : نبرطل فلانة البغي حتى ترميه بنفسها فترفضه بنو إسرائيل ، فجعل لها ألف دينار أوطستاً من ذهب أو حكمها ، فلما كان يوم عيد قام موسى فقال : يا بني إسرائيل من سرق قطعناه ومن افترى جلدناه ومن زنى وهو غير محصن جلدناه وإن أحصن رجمناه . فقال قارون : وإن كنت أنت ؟ قال : وإن كنت أنا . قال : فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة ، فأحضرت فناشدها بالذي فلق البحر وأنزل التوراة أن تصدق فقالت : جعل لي قارون جعلاً على أن أقذفك بنفسي فخر موسى ساجداً يبكي وقال : يا رب إن كنت رسولك فاغضب لي ، فأوحى الله إليه أن مر الأرض بما شئت فإنها مطيعة لك . فقال : يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون ، فمن كان معه فليلزم مكانه ومن كان معي فليعتزل . فاعتزلوا جميعاً غير رجلين ثم قال : يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب ، ثم قال : خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط ، ثم قال : خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق ، وقارون وأصحابه يتضرعون إلى موسى ويناشدونه بالله والرحم وموسى لا يلتفت إليهم لشدة غضبه ثم قال : خذيهم فانطبقت عليهم فقال الله تعالى : استغاث بك مراراً فلم ترحمه فوعزتي لو استرحمني مرة لرحمته ، فقال بعض بني إسرائيل : إنما أهلكه ليرث ماله فدعا الله حتى خسف بداره وكنوزه { فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ } جماعة { يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله } يمنعونه من عذاب الله { وَمَا كَانَ مِنَ المنتصرين } من المنتقمين من موسى أو من الممتنعين من عذاب الله . يقال : نصره من عدوه فانتصره أي منعه منه فامتنع .