فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٖ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُنتَصِرِينَ} (81)

{ فخسفنا به } أي بقارون { وبداره الأرض } يقال خسف المكان يخسف خسوفا ذهب في الأرض ، وخسف به الأرض خسفا أي غاب به فيها والمعنى أن الله غيبه ، وغيب داره في الأرض .

{ فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله } أي ما له من جماعة يدفعون ذلك الخسف عنه { وما كان } هو في نفسه { من المنتصرين } أي من المنتقمين من موسى ، أو من الممتنعين من عذاب الله يقال نصره من عدو فانتصر ، أي منعه منه فامتنع .

أخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن ابن عباس قال : " كان قارون وابن عم موسى ، وكان يتبع العلم حتى جمع علما ، فلم يزل في أمره ذلك حتى بغى على موسى وحسده ، فقال له موسى : إن الله أمرني أن آخذ الزكاة فأبى ، فقال إن موسى يريد أن يأكل أموالكم ، جاءكم بالصلاة ، وجاءكم بأشياء فاحتملتموها فتحتملون أن تعطوه أموالكم ؟ فقالوا : لا نحتمل ! فما ترى ؟ فقال لهم : أرى أن أرسل إلى بغاي من يغايا بني إسرائيل فنرسلها إليه فترميه بأنه أرادها على نفسها ، فأرسلوا إليها فقالوا لها : نعطيك جعلك على أن تشهدي على موسى أنه فجر بك ! قالت : نعم فجاء قارون إلى موسى فقال : اجمع بني إسرائيل فأخبرهم بما أمرك ربك ، قال نعم فجمعهم فقالوا له : ما أمرك ربك ؟ قال أمرني أنت تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا . وأن تصلوا الرحم ، وكذا ، وكذا ، وأمرني إذا زنى الرجل وقد أحصن أن يرجم ، قالوا : وإن كنت أنت ؟ قال : نعم ، قالوا : فإنك قد زنيت قال : أنا ؟ فأرسلوا للمرأة فجاءت فقالوا : ما تشهدين على موسى ؟ فقال لها موسى : أنشدك بالله إلا ما صدقت ، قالت : أما إذا أنشدتني بالله فإنهم دعوني وجعلوا لي جعلا على أن أقذفك بنفسي ، وأنا أشهد أنك بريء ، وأنك رسول الله ، فخرّ موسى ساجدا يبكي ويقول : يا رب إن كنت رسولك فاغضب لي ، فأوحى الله إليه ما يبكيك ؟ قد سلطناك على الأرض فمرها فتطيعك ، فرفع رأسه فقال : خذيهم ، فأخذتهم إلى أعقابهم ، فجعلوا يقولون : يا موسى ، يا موسى ، فقال : خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم ، فجعلوا يقولون : يا موسى يا موسى ، فقال خذيهم فأخذتهم فغشيتهم فأوحى الله إليه : يا موسى سألك عبادي وتضرعوا إليك فلم تجبهم وعزتي لو أنهم دعوني لأجبتهم . قال ابن عباس : وذلك قوله : فخسفنا به وبداره الأرض خسف إلى الأرض السفلى . ذكره الخازن ، والقرطبي ، وغيرهما بألفاظ .

وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " من لبس ثوبا جديدا فاختال فيه خسف به من شفير جهنم ، فهو يتجلجل فيها لا يبلغ قعرها ، لأن قارون لبس جبة فاختال فيها فخسف الله به الأرض " رواه الحرث بن إسحق من حديث ابن عباس وأبي هريرة بسند ضعيف جدا ، قال الحافظ في الفتح : إن مقتضى هذا الحديث أن الأرض لا تأكل جسده فيمكن أن يلغز ويقال لنا : كافر لا يبلى جسده بعد الموت وهو قارون ، ذكره ابن لقيمة ، والتجلجل السوخ في الأرض ، والتحرك والتضعضع ، والجلجلة التحريك . قيل : إذا وصل قارون إلى قرار الأرض السابعة نفخ إسرافيل في الصور .