اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٖ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُنتَصِرِينَ} (81)

قوله : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض } المشهور كسر هاء الكناية في بِهِ وبِدَارِهِ لأجل كسر ما قبلها . وقرئ بضمها{[40868]} وقد تقدم أنها الأصل ، وهي لغة الحجاز .

فصل :

قيل : لما أشر{[40869]} وبطر وعتا خصف الله به وبداره الأرض جزاءً على عتوه وبطره ، والفاء تدل على ذلك ، لأن الفاء تشعر بالعلية . وقيل : إن قارون كان يؤذي نبي الله موسى عليه السلام{[40870]} كل وقت وهو يداريه للقرابة التي بينهما ، حتى نزلت الزكاة فصالحه عن كل ألف دينار على دينار ، وعن كل ألف درهم على درهم ، وعن كل ألف شاة على شاة ، فحسبه{[40871]} فاستكثره{[40872]} فشحت به نفسه ، فجمع بني إسرائيل وقال إنّ موسى يريد أن يأخذ أموالكم ، فقالوا : أنت كبيرنا فمرنا بما شئت فقال : ائتوا بفلانة البغيّ فنجعل لها جعلاً حتى تقذف موسى بنفسها ، فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل ورفضوه فدعوها فجعل لها قارون طشتاً من ذهب مملوءاً ذهباً{[40873]} ، وقال لها : إني أموّلك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غداً إذا حضر بنو إسرائيل ، فلما كان من الغد جمع قارون بني إسرائيل ، ثم أتى موسى فقال إن بني إسرائيل ينتظرون خروجك فتأمرهم وتنهاهم ، فخرج إليهم{[40874]} موسى وهم في براح{[40875]} من الأرض ، فقام فيهم فقال : يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين جلدة ، ومن زنى وليست له امرأة جلدناه مائة ، ( ومن زنى وله ){[40876]} امرأة رجمناه حتى يموت ، فقال له قارون : وإن كنت أنت ؟ قال : وإن كنت أنا ، قال : فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة ، قال : ادعوها فإن قالت فهو كما قالت : فلما جاءت قال لها موسى : يا فلانة أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء ؟ وناشدها بالذي فلق البحر وأنزل التوراة أن تصدق فتداركها الله فقالت في نفسها : أحدث اليوم توبة أفضل من أن أؤذي رسول الله ، فقالت : لا ، كذبوا بل جعل{[40877]} لي قارون جعلاً على أن أقذفك بنفسي ، فخر موسى ساجداً يبكي ، وقال : يا رب إن كنت رسولك فاغضب لي ، فأوحى الله{[40878]} إليه أن مر الأرض بما شئت فإنها مطيعة لك ، قال : يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون .

فمن كان معه{[40879]} فليلزم مكانه ، ومن كان معي فليعتزل ، فاعتزلوا جميعاً ولم يبق مع قارون إلا رجلان ، ثم{[40880]} قال : يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط ثم قال : خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق وقارون وأصحابه يتضرعون إلى موسى ويناشدونه بالله والرَّحم وهو لا يلتفت إليهم لشدة غضبه ، ثم قال خذيهم فانطبقت عليهم فأوحى الله إلى موسى{[40881]} : ما أفظَّك استغاثوا بك مراراً فلم ترحمهم ، أما وعزتي لو دعوني مرة واحدة لوجدوني قريباً مجيباً{[40882]} ، فأصبحت بنو إسرائيل يتناجون بينهم : إنما دعا موسى على قارون ليستبد بداره وكنوزه فدعا الله حتى خسف الله بداره وأمواله الأرض ، ثم إن قارون يخسف به كل يوم قامة{[40883]} .

قال القاضي : إذا هلك بالخسف فسواء نزل عن ظاهر الأرض إلى الأرض السابعة أو دون ذلك ، وإن كان لا يمتنع على وجه المبالغة في الزجر ، وأما قولهم{[40884]} : إنه - تعالى - قال{[40885]} : لو استغاثوا بي لأغثتهم ، فإن صح حمل على استغاثة{[40886]} مقرونة بالتوبة ، فأما وهو ثابت على ما هو عليه مع أنه تعالى هو الذي حكم بذلك الخسف ، لأن{[40887]} موسى ما فعله إلا عن إذن فبعيد ، وقولهم إنهم يتجلجلون في الأرض فبعيد ، لأنه لا بد له من نهاية ، وكذا القول فيما ذكر من عدو القامات{[40888]} والذي عنده في أمثال{[40889]} هذه الحكايات أنها قليلة الفائدة لأنها من باب أخبار الآحاد فلا تفيد اليقين وليست المسألة عملية حتى يكفي فيها الظنّ ثم إنها في أكثر الأمر متعارضة مضطربة فالأولى طرحها والاكتفاء بما دل عليه نص القرآن وتفويض سائر التفاصيل إلى عالم الغيب{[40890]} .

قوله : «مِنْ فِئَةٍ » يجوز أن يكون اسم كان إن كانت ناقصة ، و «له » الخبر أو «يَنْصُرُونَهُ » وأن تكون فاعلة إن كان تامة و «يَنْصُرُونَهُ » صفة ل «فِئَةٍ » فيحكم على موضعها بالجر لفظاً وبالرفع معنى ، لأن «مِنْ » مزيدة فيها ، ثم قال : { وَمَا كَانَ مِنَ المنتصرين } أي الممتنعين مما نزل من الخسف ، يقال : نصره من عدوه فانتصر أي : منعه فامتنع{[40891]} .


[40868]:انظر الحجة لأبي علي 1/132.
[40869]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 25/19.
[40870]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[40871]:فحسبه: سقط من ب.
[40872]:في ب: فاستكثر.
[40873]:في ب: من ذهب.
[40874]:في الأصل: إليه.
[40875]:في ب: وهي في مراح.
[40876]:ما بين القوسين في ب: أوله.
[40877]:في ب: جعلا.
[40878]:لفظ الجلالة: سقط من ب.
[40879]:معه: سقط من ب.
[40880]:ثم: سقط من ب.
[40881]:في ب: موسى عليه الصلاة والسلام.
[40882]:مجيباً: سقط من ب.
[40883]:في الفخر الرازي: مائة قامة.
[40884]:في ب: قوله.
[40885]:قال: سقط من ب.
[40886]:في الأصل: الاستغاثة.
[40887]:في ب: أن.
[40888]:في ب: الغايات.
[40889]:في ب: في إنفاذ.
[40890]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 25/19.
[40891]:المرجعان السابقان.