{ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ } قال العلماء بأخبار القدماء : كان قارون أعلم بني إسرائيل بعد موسى وهارون ، وأقرأهم للتوراة وأجملهم وأغناهم ولكنه نافق كما نافق السامري فبغى على قومه ، واختلف في معنى هذا البغي ، فقال ابن عباس : كان فرعون قد ملك قارون على بني إسرائيل حين كان بمصر ، وعن المسيب بن شريك : أنه كان عاملاً على بني إسرائيل وكان يظلمهم ، وقيل : زاد عليهم في الثياب شبرا ، وقيل : بغى عليهم بالكبر ، وقيل : بكثرة ماله ، وكان أغنى أهل زمانه وأثراهم . واختلف في مبلغ عدة العصبة في هذا الموضع فقال مجاهد : ما بين العشرة إلى خمسة عشر ، وقال قتادة : ما بين العشرة إلى أربعين ، وقال عكرمة : منهم من يقول أربعون ومنهم من يقول سبعون ، وقال الضحاك : ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وقيل : هم ستون .
وروي عن خثيمة قال : وجدت في الإنجيل أن مفاتيح خزائن قارون وقر ستين بغلاً غراء محجلة ما يزيد منها مفتاح على إصبع لكل مفتاح منها كنز ، ويقال : كان أينما يذهب تحمل معه وكانت من حديد ، فلمّا ثقلت عليه جعلها من خشب فثقلت عليه فجعلها من جلود البقر على طول الأصابع ، فكانت تحمل معه على أربعين بغلا ، وكان أول طغيانه أنه تكبر واستطال على الناس بكثرة الأموال فكان يخرج في زينته ويختال كما قال تعالى { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ } .
قال مجاهد : خرج على براذين بيض عليها سروج الأرجوان وعليهم المعصفرات .
وقال عبد الرحمن : خرج في سبعين ألفا عليهم المعصفرات ، وقال مقاتل : على بغلة شهباء عليها سرج من الذهب عليها الأرجوان ومعه أربعة آلاف فارس عليهم وعلى دوابهم الأرجوان ومعه ثلاثة آلاف جارية بيض عليهن الحلي والثياب الحمر على البغال الشهب ، فتمنى أهل الجهالة مثل الذي أوتيه كما حكى الله فوعظهم أهل العلم بالله أن اتقوا الله فإن ثواب الله ( خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ) .
قال : ثم إن الله أوحى إلى نبيه موسى أن يأمر قومه أن يعلقوا في أرديتهم خيوطا أربعة في كل طرف خيطاً أخضر لونه لون السماء ، فدعا موسى بني إسرائيل وقال لهم : إن الله تعالى يأمركم أن تعلقوا في أرديتكم خيوطاً خضراً كَلَون السماء لكي تذكروا ربكم إذا رأيتموها ، وإنه تعالى ينزل من السماء كلامه عليكم ، فاستكبر قارون وقال : إنما تفعل هذه الأرباب بعبيدهم لكي يتميزوا من غيرهم .
ولما قطع موسى ( عليه السلام ) ببني إسرائيل البحر جعل الحبورة وهي رئاسة المذبح وبيت القربان لهارون فكان بنو إسرائيل يأتون بهديتهم ويدفعونه إلى هارون فيضعه على المذبح فتنزل نار من السماء فتأكله ، فوجد قارون في نفسه من ذلك وأتى موسى وقال : يا موسى لك الرسالة ولهارون الحبورة ولست في شيء من ذلك ، وأنا أقرأ للتوراة منكما لا صبر لي على هذا ، فقال موسى : والله ما أنا جعلتها في هارون بل الله تعالى جعلها له فقال قارون : والله لا أصدقك في ذلك حتى تريني بيانه ، قال : فجمع موسى ( عليه السلام ) رؤساء بني إسرائيل وقال : هاتوا عصيكم ، فجاءوا بها فحزمها وألقاها في قبته التي كان يعبد الله تعالى فيها وجعلوا يحرسون عصيهم حتى أصبحوا ، فأصبحت عصا هارون ( عليه السلام ) قد اهتز لها ورقٌ أخضر ، وكانت من ورق شجر اللوز ، فقال موسى : يا قارون ترى هذا ؟ فقال قارون : والله ما هذا أعجب مما تصنع من السحر .
فذهب قارون مغاضباً واعتزل موسى بأتباعه وجعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما ، وهو يؤذيه في كل وقت ولا يزيد كل يوم إلا كبراً ومخالفة ومعاداة لموسى ( عليه السلام ) حتى بنى داراً وجعل بابها من الذهب وضرب على جدرانها صفائح الذهب ، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون إليه ويروحون فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضاحكونه .
قال ابن عباس : ثم إن الله سبحانه وتعالى أنزل الزكاة على موسى ( عليه السلام ) فلمّا أوجب الله سبحانه الزكاة عليهم أبى قارون فصالحه عن كل ألف دينار على دينار ، وعن كل ألف درهم على درهم ، وعن كل ألف شاة على شاة ، وعن كل ألف شيء شيئاً ، ثم رجع إلى بيته فحسبه فوجده كثيرا فلم تسمح بذلك نفسه فجمع بني إسرائيل وقال لهم : يا بني إسرائيل إن موسى قد أمركم بكل شيء فأطعتموه وهو الآن يريد أن يأخذ أموالكم ، فقالوا له : أنت كبيرنا وسيدنا فمرنا بما شئت ، فقال : آمركم أن يجيئوا بفلانة البغي فنجعل لها جعلاً على أن تقذفه بنفسها فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل ورفضوه فاسترحنا منه ، فأتوا بها فجعل لها قارون ألف درهم وقيل : ألف دينار ، وقيل : طستا من ذهب ، وقيل : حكمها ، وقال لها : إني أُموّلك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غداً إذا حضر بنو إسرائيل ، فلمّا أن كان الغد جمع قارون بني إسرائيل ، ثم أتى موسى فقال له : إن بني إسرائيل قد اجتمعوا ينتظرون خروجك لتأمرهم وتنهاهم وتبين لهم أعلام دينهم وأحكام شريعتهم فخرج إليهم موسى وهم في براح من الأرض فقام فيهم خطيباً ووعظهم ( فكان ) فيما قال : يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين ، ومن زنا وليست له امرأة جلدناه مائة ، ومن زنا وله امرأة رجمناه حتى يموت ، فقال له قارون : وإن كنت أنت ؟ قال : وإن كنت أنا ، قال قارون : فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة قال : أنا ، قال : نعم ، قال : ادعوها فإن قالت فهو كما قالت ، فلمّا أن جاءت قال لها موسى : يا فلانة إنما أنا فعلت لك ما يقول هؤلاء ، وعظم عليها وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت ، فلمّا ناشدها تداركها الله بالتوفيق وقالت في نفسها : لئن أحدث اليوم توبة أفضل من أن أوذي رسول الله ، قالت : لا كذبوا ، ولكن جعل لي قارون جعلاً على أن أقذفك بنفسي ، فلمّا تكلمت بهذا الكلام سقط في يده قارون ونكس رأسه وسكت الملأ وعرف أنه وقع في مهلكة وخرّ ) موسى ساجداً يبكي ويقول : اللهم إن كنت رسولك ، فاغضب لي ، فأوحى الله سبحانه إليه : مُر الأرض بما شئت ، فإنها مطيعة لك ، فقال موسى : يا بني إسرائيل إنّ الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون ، فمن كان معه فليثبت مكانه ، ومن كان معي فليعتزل ، فاعتزل قارون ولم يبق معه إلاّ رجلان ، ثم قال موسى : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلى الركَب ، ثم قال : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلى الأوساط ، ثم قال : يا أرض خذيهم ، فأخذتهم إلى الأعناق ، وقارون وأصحابه في كل ذلك لا يلتفت إليه لشدّة غضبه عليه .
ثم قال : يا أرض خذيهم ، فانطبقت عليهم الإرض ، وأوحى الله تعالى إلى موسى : يا موسى ماأفظك . استغاثوا بك سبعين مرة فلم ترحمهم ولم تغثهم ، أما وعزتي لو إياي دعوا لوجدوني قريباً مجيباً .
قال قتادة : وذكر [ لنا ] أنّه يخسف به كلّ يوم قامة وأنّه يتخلخل فيها لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة ، قالوا : وأصبحت بنو إسرائيل يتناجون فيما بينهم أنّ ( موسى ) إنّما دعا على قارون ليستبد بداره وكنوزه وأمواله ، فدعا اللهَ موسى حتى يخسف بداره وأمواله الأرض .
وأوحى الله سبحانه إلى موسى : إنّي لا أعبّد الأرض لأحد بعدك أبداً ، فذلك قوله تعالى : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ } ، { فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ } الممتنعين
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.