في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ} (55)

21

وهنا يجيء الإيقاع الأخير في هذا المقطع ، توجيهاً لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ومن كانوا معه من المؤمنين في مكة في موقف الشدة والمعاناة . ولكل من يأتي بعدهم من أمته ، ويواجهون مثل الموقف الذي كانوا فيه :

( فاصبر . إن وعد الله حق . واستغفر لذنبك ، وسبح بحمد ربك ، بالعشي والإبكار ) . .

الإيقاع الأخير . . الدعوة إلى الصبر . . الصبر على التكذيب . والصبر على الأذى . والصبر على نفخة الباطل وانتشائه بالغلبة والسلطان في فترة من الزمان . والصبر على طباع الناس وأخلاقهم وتصرفاتهم من هنا ومن هناك . والصبر على النفس وميولها وقلقها وتطلعها ورغبتها في النصر القريب وما يتعلق به من رغائب وآمال . والصبر على أشياء كثيرة في الطريق قد تجيء من جانب الأصدقاء قبل أن تجيء من جانب الأعداء !

( فاصبر . إن وعد الله حق ) . . مهما يطل الأمد ، ومهما تتعقد الأمور ، ومهما تتقلب الأسباب . إنه وعد من يملك التحقيق ، ومن وعد لأنه أراد .

وفي الطريق ، خذ زاد الطريق :

( واستغفر لذنبك ، وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار ) . .

هذا هو الزاد ، في طريق الصبر الطويل الشاق . استغفار للذنب ، وتسبيح بحمد الرب . والاستغفار المصحوب بالتسبيح وشيك أن يجاب ، وهو في ذاته تربية للنفس وإعداد . وتطهير للقلب وزكاة . وهذه هي صورة النصر التي تتم في القلب ، فتعقبها الصورة الأخرى في واقع الحياة .

واختيار العشي والإبكار . إما كناية عن الوقت كله - فهذان طرفاه - وإما لأنهما آنان يصفو فيهما القلب ، ويتسع المجال للتدبر والسياحة مع ذكر الله .

هذا هو المنهج الذي اختاره الله لتوفير عدة الطريق إلى النصر وتهيئة الزاد . ولا بد لكل معركة من عدة ومن زاد . .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ} (55)

{ وسبح بحمد ربك } أي دم على التسبيح والتحميد لربك . أوصل لربك{ بالعشي } ، وهو من بعد الزوال إلى الليل{ والإبكار } وهو من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس . والمراد الدوام عليه . وقيل : هو أمر بالصلوات الخمس .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ} (55)

قوله تعالى : { هدى وذكرى لأولي الألباب* فاصبر } يا محمد على أذاهم ، { إن وعد الله } في إظهار دينك وإهلاك أعدائك ، { حق } قال الكلبي : نسخت آية القتال آية الصبر ، { واستغفر لذنبك } هذا تعبد من الله ليزيده به درجة ولصير سنة لمن بعده ، { وسبح بحمد ربك } صل شاكراً لربك ، { بالعشي والإبكار } قال الحسن : يعني صلاة العصر وصلاة الفجر . وقال ابن عباس : الصلوات الخمس .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ} (55)

ولما كان التقدير بعد أن تقدم الوعد المؤكد بنصرة الرسل وأتباعهم : ولقد آتيناك الهدى والكتاب كما آتينا موسى ، ولننصرنك مثل ما نصرناه وإن زاد إبراق قومك وإرعادهم ، فإنهم لا يعشرون فرعون فيما كان فيه من الجبروت والقهر والعز والسلطان والمكر ولم ينفعه شيء منه ، سبب عنه قوله : { فاصبر } أي على أذاهم فإنا نوقع الأشياء في أتم محالها على ما بنينا عليه أحوال هذه الدار من إجراء المسببات على أسبابها ، ثم علل ذلك بقوله صارفاً القول عن مظهر العظمة الذي هو مدار النصرة إلى اسم الذات الجامع لجميع الكمالات التي من أعظمها إنفاذ الأمر وصدق الوعد : { إن وعد الله } أي الذي له الكمال كله { حق } أي في إظهار دينك وإعزاز أمرك ، فقد رأيت ما اتفق لموسى عليه السلام مع أجبر أهل ذلك الزمان وما كان له من العاقبة ، قال القشيري : الصبر في انتظار الموعود من الحق على حسب الإيمان والتصديق ، فمن كان تصديقه ويقينه أتم وأقوى كان صبره أكمل وأوفى .

ولما تكفل هذا الكلام من التثبيت بانجاز المرام ، وكان من الأمر المحتوم أن لزوم القربات يعلى الدرجات فيوصل إلى قوة التصرفات ، أمر بالإعراض عن ارتقاب النصر والاشتغال بتهذيب الأحوال لتحصيل الكلام ، موجهاً الخطاب إلى أعلى الخلق ليكون من دونه من باب الأولى فقال : { واستغفر لذنبك } أي وهو كل عمل كامل ترتقي منه إلى أكمل ، وحال فاضل تصعد منه إلى أفضل ، فيكون ذلك شكرا منك لأن الله غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فتستن بك أمتك ، وسماه ذنباً من باب " حسنات الأبرار سيئات المقربين " .

ولما أمره بالاستغفار عند الترقية في درجات الكمال ، المطلع على بحور العظمة ومفاوز الجلال ، أمره بالتنزيه عن شائبة نقص والإثبات لكل رتبة كمال ، لافتاً القول إلى صفة التربية والإحسان لأنه من أعظم مواقعها فقال : { وسبح } أي نزه ربك عن شائبة نقص كلما علمت بالصعود في مدارج الكمال نقص المخلوق في الذات والأعمال ملتبساً { بحمد ربك } أي إثبات الإحاطة باوصاف الكمال للمحسن إليك المربي لك ، ولا تشتغل عنه بشيء فإن الأعمال من أسباب الظفر . ولما كان المقام لإثبات قيام الساعة ، وكان العشي أدل عليها ، قدمه فقال : { بالعشي والإبكار * } فإن تقلبهما دائماً دل على كمال مقلبهما وقدرته على إيجاد المعدوم الممحوق كما كان وتسويته ، ومن مدلول الآية الحث على صلاتي الصبح والعصر ، وهما الوسطى لأنهما تشهدهما ملائكة الليل وملائكة النهار ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : بل على الصلوات الخمس - نقله البغوي . وذلك لأن العشى من زوال الشمس ، والأبكار من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس .