{ إذ الأغلال في أعناقهم . . . } أي فسوف يعلمون عقوبة تكذيبهم ؛ إذ الأغلال والسلاسل في أعناقهم يجرون بها في الحميم ، ثم في النار يحرقون فيكونون وقودها . و " الأغلال " : جمع غل ، وهو القيد يوضع في اليد والعنق فيجمعهما ؛ ولذا يسمى الجامع . " والسلاسل " : جمع سلسلة ؛ من تسلسل السيء : اضطرب ؛ كأنه يصور منه تسلل متردد فردد لفظه تنبيها على تردد معناه . ومنه ماء سلسل : أي تردد في مقره حتى صفاء و " الحميم " الماء البالغ غاية الحرارة . و " يسجرون " من شجر التنور : إذا ملأه وقودا .
قوله تعالى : " إذ الأغلال في أعناقهم " أي عن قريب يعلمون بطلان ما هم فيه إذا دخلوا النار وغلت أيديهم إلى أعناقهم . قال التيمي : لو أن غلا من أغلال جهنم وضع على جبل لوهصه حتى يبلغ الماء الأسود . " والسلاسل يسحبون " بالرفع قراءة العامة عطفا على الأغلال . قال أبو حاتم : " يسحبون " مستأنف على هذه القراءة . وقال غيره : هو في موضع نصب على الحال ، والتقدير : " إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل " مسحوبين . وقرأ ابن عباس وأبو الجوزاء وعكرمة وابن مسعود " والسلاسل " بالنصب " يسحبون " بفتح الياء والتقدير في هذه القراءة ويسحبون السلاسل . قال ابن عباس : إذا كانوا يجرونها فهو أشد عليهم وحكي عن بعضهم " والسلاسل " بالجر ووجهه أنه محمول على المعنى ، لأن المعنى أعناقهم في الأغلال والسلاسل . قاله الفراء . وقال الزجاج : ومن قرأ " والسلاسل يسحبون " بالخفض فالمعنى عنده وفي " السلاسل يسحبون " . قال ابن الأنباري : والخفض على هذا المعنى غير جائز ؛ لأنك إذا قلت زيد في الدار لم يحسن أن تضمر " في " فتقول زيد الدار ، ولكن الخفض جائز . على معنى إذ أعناقهم في الأغلال والسلاسل ، فتخفض السلاسل على النسق على تأويل الأغلال ؛ لأن الأغلال في تأويل الخفض ، كما تقول : خاصم عبد الله زيدا العاقلين فتنصب العاقلين . ويجوز رفعهما ؛ لأن أحدهما إذا خاصم صاحبه فقد خاصمه صاحبه ، أنشد الفراء :
قد سالَمَ الحَيَّاتِ منهُ القَدَمَا *** الأفْعُوَانَ والشُّجَاعَ الشَّجْعَمَا{[13400]}
فنصب الأفعوان على الإتباع للحيات إذا سالمت القدم فقد سالمتها القدم . فمن نصب السلاسل أو خفضها لم يقف عليها .
ولما كانوا في الدنيا قد جمعت أيديهم إلى أذقانهم بجوامع السطوة ، ثم وصلت بسلاسل القهر يساقون بها عن مقام الظفر بالنجاح إلى أهويات الكفر بالجدال بالباطل ومهامه الضلال المبين كما قال تعالى
{ إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً }[ يس : 8 ] الآية ، فجعل باطن تلك السلاسل الدنيوية والأغلال ظاهراً في ذلك المجمع قال : { إذ } أي حين تكون { الأغلال } جمع غل ، قال في ديوان الأدب ، هو الذي يعذب به الإنسان . وقال القزاز : الغل من الحديد معروف ، ويكون من القد ، وقال في النهاية : هو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه ، ويقال لها جامعة أيضاً - انتهى . وأصله الإدخال ، يدخل فيه العنق واليد فتجمعان به ، وذلك معنى قول الصغاني في مجمع البحرين : في رقبته غل من حديد ، وقد غلت يده إلى عنقه { في أعناقهم } أي جامعة لأيديهم إلى تراقيهم ، وعبر بإذ ومعناها المضي مع سوف ومعناها الاستقبال ، لأن التعبير بالمضي إنما هو إشارة إلى تحقق الأمر مع كونه مستقبلاً { والسلاسل } أي في أعناقهم أيضاً يقيدهم ذلك عن كل تصرف لكونهم لم يتقيدوا بكتاب ولا رسول ، والسلسلة من : تسلسل الشيء : اضطرب ، قال الراغب : كأنه تصور منه تسلسل متردد ، فردد لفظه تنبيهاً على تردد معناه ، وما سلسل متردد في مقره حتى صفا ، حال كونهم { يسحبون * } أي بها ، والسحب : الجر بعنف
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.