البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِذِ ٱلۡأَغۡلَٰلُ فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ وَٱلسَّلَٰسِلُ يُسۡحَبُونَ} (71)

السلسلة معروفة .

السحب : الجر .

قال النخعي : لو أن غلاًّ من أغلال جهنم وضع على جبل ، لأ رحضة حتى يبلغ إلى الماء الأسود .

وقرأ : والسلاسل عطفاً على الأغلال ، يسحبون مبنياً للمفعول .

وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، وزيد بن علي ، وابن وثاب ، والمسيء في اختياره : والسلاسل بالنصب على المفعول ، يسحبون مبنياً للفاعل ، وهو عطف جملة فعلية على جملة اسمية .

وقرأت فرقة منهم ابن عباس : والسلاسل ، بجر اللام .

قال ابن عطية : على تقدير ، إذ أعناقهم في الأغلال والسلاسل ، فعطف على المراد من الكلام لا على ترتيب اللفظ ، إذ ترتيبه فيه قلب ، وهو على حد قول العرب : أدخلت القلنسوة في رأسي ، وفي مصحف أبيّ : وفي السلاسل يسحبون .

وقال الزمخشري : ووجهه أنه لو قيل : إذ أعناقهم في الأغلال ، مكان قوله : { إذ الأغلال في أعناقهم } ، لكان صحيحاً مستقيماً .

فلما كانتا عبارتين معتقبتين ، حمل قوله : { والسلاسل } على العبارة الأخرى ، ونظيره قول الشاعر :

مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة *** ولا ناعب إلا ببين غرابها

كأنه قيل : بمصلحين .

وقرىء : وبالسلاسل ، انتهى ، وهذا يسمى العطف على التوهم ، ولكن توهم إدخال حرف الجر على مصلحين أقرب من تغيير تركيب الجملة بأسرها ، والقراءة من تغيير تركيب الجملة السابقة بأسرها ، ونظير ذلك قول الشاعر :

أحدك لن ترى بثعيلبات *** ولا بيداء ناجية زمولا

ولا متدارك والليل طفل *** ببعض نواشع الوادي حمولا

التقدير : لست براء ولا متدارك .

وهذا الذي قاله ابن عطية والزمخشري سبقهما إليه الفراء ، قال : من جر السلاسل حمله على المعنى ، لأن المعنى : أعناقهم في الأغلال والسلاسل .

وقال الزجاج : من قرأ بحفص والسلاسل ، فالمعنى عنده : وفي السلاسل يسحبون .

وقال ابن الأنباري : والخفض على هذا المعنى غير جائز ، لو قلت : زيد في الدار ، لم يحسن أن تضمر في فتقول : زيد الدار ، ثم ذكر تأويل الفراء ، وخرج القراءة ثم قال : كما تقول : خاصم عبد الله زيداً العاقلين ، بنصب العاقلين ورفعه ، لأن أحدهما إذا خاصمه صاحبه فقد خاصمه الآخر .

انتهى ، وهذه المسألة لا تجوز عند البصريين ، وهي منقول جوازها عن محمد بن سعفان الكوفي ، قال : لأن كل واحد منهما فاعل مفعول ، وقرئ : وبالسلاسل يسحبون ، ولعل هذه القراءة حملت الزجاج على أن تأول الخفض على إضمار حرف الجر ، وهو تأويل شذوذ .

وقال ابن عباس : في قراءة من نصب والسلاسل ، وفتح ياء يسحبون إذا كانوا يجرونها ، فهو أشد عليهم ، يكلفون ذلك وهم لا يطيقون .