في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖۖ كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمۡ يُغۡنِيَا عَنۡهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَقِيلَ ٱدۡخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّـٰخِلِينَ} (10)

ثم تجيء الجولة الثالثة والأخيرة . وكأنها التكملة المباشرة للجولة الأولى . إذ تتحدث عن نساء كافرات في بيوت أنبياء . ونساء مؤمنات في وسط كفار :

( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط ، كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين ، فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا ، وقيل ادخلا النار مع الداخلين . . وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون ، إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ، ونجني من فرعون وعمله ، ونجني من القوم الظالمين . ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ، وصدقت بكلمات ربها وكتبه . وكانت من القانتين ) . .

والمأثور في تفسير خيانة امرأة نوح وامرأة لوط ، أنها كانت خيانة في الدعوة ، وليست خيانة الفاحشة . امرأة نوح كانت تسخر منه مع الساخرين من قومه ؛ وامرأة لوط كانت تدل القوم على ضيوفه وهي تعلم شأنهم مع ضيوفه !

والمأثور كذلك عن امرأة فرعون أنها كانت مؤمنة في قصره - ولعلها كانت أسيوية من بقايا المؤمنين بدين سماوي قبل موسى . وقد ورد في التاريخ أن أم " أمنحوتب الرابع " الذي وحد الآلهة في مصر ورمز للإله الواحد بقرص الشمس ، وسمى نفسه " إخناتون " . . كانت أسيوية على دين غير دين المصريين . . والله أعلم إن كانت هي المقصودة في هذه السورة أم أنها امرأة فرعون موسى . . وهو غير " أمنحوتب " هذا . .

ولا يعنينا هنا التحقيق التاريخي لشخص امرأة فرعون . فالإشارة القرآنية تعني حقيقة دائمة مستقلة عن الأشخاص . والأشخاص مجرد أمثلة لهذه الحقيقة . .

إن مبدأ التبعة الفردية يراد إبرازه هنا ، بعد الأمر بوقاية النفس والأهل من النار . كما يراد أن يقال لأزواج النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وأزواج المؤمنين كذلك : إن عليهن أنفسهن بعد كل شيء . فهن مسؤولات عن ذواتهن ، ولن يعفيهن من التبعة أنهن زوجات نبي أو صالح من المسلمين !

وها هي ذي امرأة نوح . وكذلك امرأة لوط . ( كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين ) . . ( فخانتاهما ) . . ( فلم يغنيا عنهما من الله شيئا ) . . ( وقيل : ادخلا النار مع الداخلين ) . .

فلا كرامة ولا شفاعة في أمر الكفر والإيمان . وأمر الخيانة في العقيدة حتى لأزواج الأنبياء !

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖۖ كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمۡ يُغۡنِيَا عَنۡهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَقِيلَ ٱدۡخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّـٰخِلِينَ} (10)

{ فخانتاهما } فكانت امرأة نوح تقول للناس : إنه مجنون . وكانت امرأة لوط تدل قومها على الأضياف ليخبثوا بهم .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖۖ كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمۡ يُغۡنِيَا عَنۡهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَقِيلَ ٱدۡخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّـٰخِلِينَ} (10)

شرح الكلمات :

{ فخانتاهما } : أي في الدين إذ كانتا كافرتين .

{ فلم يغنيا عنهما } : أي نوح ولوط عن امرأتيهما .

{ من الله شيئاً } : أي من عذاب الله شيئاً وإن قل .

المعنى :

وقوله تعالى في الآية الثانية ( 10 ) ضرب الله مثلاً في عدم انتفاع الكافر بقرابة المؤمن مهما كانت درجة القرابة عنده . وهو امرأة لوط إذ كانت كل واحدة منها تحت نبي رسول فخانتاهما في دينهما فكانتا كافرتين فامرأة نوح تفشى سر من يؤمن بزوجها وتُخبر به الجبابرة من قوم نوح حتى يبطشوا به وكانت تقول لهم إن زوجها مجنون ، وامرأة لوط كانت كافرة وتدل المجرمين على ضيوف لوط إذا نزلوا عليه في بيته وذلك في الليل بواسطة النار ، وفي النهار بواسطة الدخان . فلما كانتا كافرتين لم تُغن عنهما قرابتهما بالزوجة شيئاً . ويوم القيامة يقال لهما : ادخلا النار مع الداخلين من قوم نوح وقوم لوط .

الهداية

من الهداية :

- تقرير مبدأ : لا تزر وازرة وزر أخرى . فالكافر لا ينتفع بالمؤمن يوم القيامة .

- والمؤمن لا يتضرر بالكافر ولو كانت القرابة روحية نبوة أو إنسانية أو أبوة أو بنوة فإبراهيم لم يضره كفر آزر ، ونوح لم يضره كفر كنعان ابنه ، كما أن آزر وكنعان لم ينفعهما إيمان وصلاح الأب والابن .

هذا وقرابة المؤمن الصالح تنفع المؤمن دون الصالح لقوله تعالى { والذين آمنوا واتبعهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم } .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖۖ كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمۡ يُغۡنِيَا عَنۡهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَقِيلَ ٱدۡخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّـٰخِلِينَ} (10)

ضرب الله تعالى هذا المثل تنبيها على أنه لا يغني أحد في الآخرة عن قريب ولا نسيب إذا فرق بينهما الدين . وكان اسم امرأة نوح والهة ، واسم امرأة لوط والهة ، قاله مقاتل . وقال الضحاك عن عائشة رضي الله عنها : إن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أن اسم امرأة نوح واغلة واسم امرأة لوط والهة . " فخانتاهما " قال عكرمة والضحاك : بالكفر . وقال سليمان بن رقية{[15166]} عن ابن عباس : كانت امرأة نوح تقول للناس إنه مجنون . وكانت امرأة لوط تخبر بأضيافه . وعنه : ما بغت امرأه نبي قط . وهذا إجماع من المفسرين فيما ذكر القشيري . إنما كانت خيانتهما في الدين وكانتا مشركتين . وقيل : كانتا منافقتين . وقيل : خيانتهما النميمة إذا أوحى الله إليهما شيئا أفشتاه إلى المشركين ، قاله الضحاك . وقيل : كانت امرأة لوط إذا نزل به ضيف دخنت لتعلم قومها أنه قد نزل به ضيف ؛ لما كانوا عليه من إتيان الرجال . " فلم يغنيا عنهما من الله شيئا " أي لم يدفع نوح ولوط مع كرامتهما على الله تعالى عن زوجتيهما - لما عصتا - شيئا من عذاب الله ، تنبيها بذلك على أن العذاب يدفع بالطاعة لا بالوسيلة . ويقال : إن كفار مكة استهزؤوا وقالوا : إن محمدا صلي الله عليه وسلم يشفع لنا ، فبين الله تعالى أن شفاعته لا تنفع كفار مكة وإن كانوا أقرباء ، كما لا تنفع شفاعة نوح لامرأته وشفاعة لوط لامرأته ، مع قربهما لهما لكفرهما . وقيل لهما : " وقيل ادخلا النار مع الداخلين " في الآخرة ، كما يقال لكفار مكة وغيرهم . ثم قيل : يجوز أن تكون " امرأة نوح " بدلا من قوله : " مثلا " على تقدير حذف المضاف ، أي ضرب الله مثلا مثل امرأة نوح . ويجوز أن يكونا مفعولين .


[15166]:في ل: "قتة". وفي تفسير الطبري: "قيس".
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖۖ كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمۡ يُغۡنِيَا عَنۡهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَقِيلَ ٱدۡخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّـٰخِلِينَ} (10)

ولما كان أمر الاستئصال في الإنجاء والإهلاك أشبه شيء بحال أهل الآخرة في الدينونة بالعدل والفضل ، وكان المفتتح به السورة عتاب النساء ، ثم أتبع بالأمر بالتأديب{[66542]} لجميع الأمة إلى أن ختم بهلاك المخالف في الدارين ، وكان للكفار قرابات بالمسلمين {[66543]}وكانوا يظنون{[66544]} أنها ربما تنفعهم ، وللمسلمين قرابات بالكفار وكانوا ربما توهموا{[66545]} أنها تضرهم ، قال مجيباً لما يتخيل من ذلك تأديباً{[66546]} لمن ينكر عليه{[66547]} صلى الله عليه وسلم من النساء وغيرهن : { ضرب الله } أي{[66548]} الملك الذي أحاط بكل شيء {[66549]}قدرة وعلماً{[66550]} { مثلاً } يعلم به من فيه قابلية العلم ويتعظ به{[66551]} من له أهلية الاتعاظ { للذين كفروا } أي غطوا الحق على أنفسهم وعلى غيرهم سواء كانوا مشاققين أو منافقين في عدم انتفاعهم مع كفرهم بما بينهم وبين المؤمنين من الوصل والعلائق فيغلظ عليهم في الدارين معاملة بما يستحقون من غير محاباة لأحد وإن جل مقامه ، وعلا منصبه ومرامه ، لأن{[66552]} الكفر قاطع للعلائق بين الكافر والمسلم : { امرأت نوح } الذي أهلك{[66553]} الله من كذبه بالغرق ونصره وآواه عليه الصلاة والسلام وكان اسمها فيما يقال واعلة { وامرأت لوط } الذي أهلك الله أيضاً{[66554]} من كذبه بالحصب والخسف والإغراق ، واسمها فيما قيل واهلة ، ودل على وجه الشبه بقوله : { كانتا } أي مع كونهما كافرتين . ولم يقل : تحتهما ، بل أظهر بالوصف{[66555]} العبودية المضافة إليه سبحانه وتعالى والوصف بالصلاح لأن ذلك أفخم ، فيكون أشد تأثيراً للموعوظ{[66556]} وأعظم{[66557]} ، ودفعاً لأن يتوهم{[66558]} أحد بشيء{[66559]} لا يليق بمقامهما{[66560]} عليهما الصلاة والسلام فقال : { تحت عبدين } أي كل واحدة{[66561]} منهما تحت عبد{[66562]} ، وعبر بذلك لأن أثر الناس عند الملك كما تقدم عبيده ، ودل على كثرة عبيده تنبيهاً على غناه بقوله : { من عبادنا } .

ولما كانت طبقات القرب متفاوتة بحسب الصلاح قال : { صالحين } وهما{[66563]} نوح ولوط عليهما الصلاة والسلام { فخانتاهما } بعدم المتابعة في الدين نفاقاً منهما لا بالخيانة في الفرش ، فقد صان الله جميع الأنبياء من ذلك فلم تقل واحدة منهما لأجل كفرهما : رب اجعلني مع نبيك في الجنة ، وآذن بعدم قبول الشفاعة فيمن أساء إلى الحبيب وبعذابه حتماً للتشفي{[66564]} بقوله : { فلم } أي فتسبب عن ذلك أن العبدين{[66565]} الصالحين لم { يغنيا عنهما } أي المرأتين بحق الزواج { من الله } أي من عذاب الملك الذي له الأمر كله فلا أمر لغيره { شيئاً } أي من إغناء لأجل خيانتهما بالمخالفة في الدين{[66566]} ، ودل على كمال قدرته تعالى بالتعبير بالمجهول{[66567]} فقال : { وقيل } أي للمرأتين ممن أذن له في القول النافذ الذي لا مرد له : { ادخلا النار } أي مقدماتها من الإصرار على الكفر ثم الإهلاك بعذاب الانتقام في الدنيا وحقيقتها في الآخرة لأن الله أبغضهما لأنهما عدو لأوليائه ، وذلك كما قيل : عدو صديقي ليس لي بصديق{[66568]} .

ولما فعلتا فعل الرجال في استقلالهما وعدم عدهما لأنفسهما تبعاً ، غلظ عذابهما بالكون مع الرجال في عذابهم فقال دالاً على نفوذ الحكم فيمن هو أقوى منهما بعد نفوذه فيهما{[66569]} : { مع الداخلين * } أي{[66570]} الذين هم أعظم منهما ممن لهم وصلة بأهل الله وممن لا وصلة لهم بهم ، فليتأدب كل أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم غاية الأدب خوفاً من مثل ذلك ، وهذا خالع لقلوب من ابتدأ بتأديبهن{[66571]} - رضي الله تعالى عنهن .


[66542]:- من م، وفي الأصل وظ: للتأديب.
[66543]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66544]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66545]:- في م: توهم.
[66546]:- من ظ وم، وفي الأصل: تكذيبا.
[66547]:- من ظ وم، وفي الأصل: به.
[66548]:- زيد من ظ وم.
[66549]:- في ظ وم: علما وقدرة.
[66550]:- في ظ وم: علما وقدرة.
[66551]:- زيد من ظ وم.
[66552]:- من ظ وم، وفي الأصل: لكن العبودية.
[66553]:- من ظ وم، وفي الأصل: أهل.
[66554]:- سقط من ظ وم.
[66555]:- من ظ وم، وفي الأصل: الوصف.
[66556]:- من ظ وم، والأصل: للموعظة.
[66557]:-زيد في الأصل: فعالا، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66558]:- في ظ وم: شيء.
[66559]:-في ظ وم: شيء.
[66560]:- من ظ وم، وفي الأصل: بمقاماتهم.
[66561]:- من ظ وم، وفي الأصل: واحد.
[66562]:- في ظ وم: واحد.
[66563]:- من ظ وم، وفي الأصل: هم.
[66564]:- من م، وفي الأصل وظ: لتشقى.
[66565]:- زيد في الأصل: اللذين هما من، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66566]:- من ظ وم، وفي الأصل: الدارس.
[66567]:- من ظ وم، وفي الأصل: للمجهول.
[66568]:- من ظ وم، وفي الأصل: صديقي.
[66569]:- زيد في الأصل: فقال، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66570]:- زيد من م.
[66571]:- من ظ وم، وفي الأصل: بتأسيسهن.