فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖۖ كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمۡ يُغۡنِيَا عَنۡهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَقِيلَ ٱدۡخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّـٰخِلِينَ} (10)

{ ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين ( 10 ) }

{ ضرب الله مثلا للذين كفروا } قد تقدم غير مرة أن المثل قد يراد به إيراد حالة غريبة تعرف بها حالة أخرى مماثلة لها في الغرابة ، أي جعل الله مثلا لحال هؤلاء الكفار في أنهم يعاقبون لكفرهم ، وأنه لا يغني أحد عن أحد { امرأة نوح } واسمها واهلة ، وقيل : والهة { وامرأة لوط } واسمها واعلة ، وقيل : والعة ، وهذا هو المفعول الأول ، ( ومثلا ) المفعول الثاني حسبما قدمنا تحقيقه ، وإنما أخر ليتصل به ما هو تفسير له وإيضاح لمعناه ، وترسم ( امرأت ) في هذه المواضع الثلاثة ( وابنت ) بالتاء المجرورة ، ويوقف عليهم بالهاء والتاء .

{ كانت تحت عبدين من عبادنا صالحين } وهما نوح ولوط عليهما السلام ، أي كانتا في عصمة نكاحهما ، وهذه جملة مستأنفة كأنها مفسرة لضرب المثل ، ولم يؤت بضميرهما فيقال : تحتهما لما قصد من تشريفهما بهذه الإضافة الشريفة وفي ذلك مبالغة في المعنى المقصود وهو أن الإنسان لا ينفعه عادة إلا صلاح نفسه لا صلاح غيره ، وإن كان ذلك الغير في أعلى مراتب الصلاح والقرب من الله تعالى { فخانتاهما } أي فوقعت منهما الخيانة لهما .

" قال ابن عباس : ما بغت امرأة نبي قط " ، ورواه ابن عساكر مرفوعا . " عنه قال : ما زنتا ، أما خيانة امرأة نوح فكانت تقول للناس : إنه مجنون ، وأما خيانة امرأة لوط ، فكانت تدل على الضيف فتلك خيانتهما " .

وقال عكرمة والضحاك : بالكفر ، وقد وقعت الأدلة الإجماعية على أنها ما زنت امرأة نبي قط ، وقيل : كانت خيانتهما النفاق وقيل : خانتاهما بالنميمة .

{ فلم يغنيا عنهما من الله شيئا } أي فلم ينفعهما نوح ولوط بسبب كونهما زوجتين لهما شيئا من النفع ، ولا دفعا عنهما من عذاب الله مع كرامتهما على الله ، ونبوتهما شيئا من الدفع ، وفيه تنبيه على أن العذاب يدفع بالطاعة لا بالوسيلة { وقيل } أي ويقال لهما في الآخرة أو عند موتهما :

{ ادخلا النار مع الداخلين } لها من أهل الكفر والمعاصي ، وقال يحيى ابن سلام : " ضرب الله مثلا للذين كفروا يحذر به عائشة ، وحفصة من المخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين تظاهرتا عليه ، وما أحسن ما قال ، فإن ذكر امرأتي النبيين بعد ذكر قصتهما ومظاهرتهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم يرشد أتم إرشاد ويلوح أبلغ تلويح إلى أن المراد تخويفهما مع سائر أمهات المؤمنين ، وبيان أنهما وإن كانت تحت عصمة خير خلق الله وخاتم رسله ، فإن ذلك لا يغني عنهما من الله شيئا ، وقد عصمهما الله سبحانه عن ذنب تلك المظاهرة بما وقع منهما من التوبة الصحيحة الخالصة .