البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖۖ كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمۡ يُغۡنِيَا عَنۡهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَقِيلَ ٱدۡخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّـٰخِلِينَ} (10)

{ ضرب الله مثلاً للذين كفروا } : ضرب تعالى المثل لهم بامرأة نوح وامرأة لوط في أنهم لا ينفعهم في كفرهم لحمة نسب ولا وصلة صهر ، إذ الكفر قاطع العلائق بين الكافر والمؤمن ، وإن كان المؤمن في أقصى درجات العلا .

ألا ترى إلى قوله تعالى : { إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح } كما لم ينفع تينك المرأتين كونهما زوجتي نبيين .

وجاءت الكناية عن اسمهما العلمين بقوله : { عبدين من عبادنا } ، لما في ذلك من التشريف بالإضافة إليه تعالى .

ولم يأت التركيب بالضمير عنهما ، فيكون تحتهما لما قصد من ذكر وصفهما بقوله : { صالحين } ، لأن الصلاح هو الوصف الذي يمتاز به من اصطفاه الله تعالى بقوله في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام : { وإنه في الآخرة لمن الصالحين } وفي قول يوسف عليه السلام : { وألحقني بالصالحين } وقول سليمان عليه الصلاة والسلام : { وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين } { فخانتاهما } ، وذلك بكفرهما وقول امرأة نوح عليه السلام : هو مجنون ، ونميمة امرأة لوط عليه السلام بمن ورد عليه من الأضياف ، قاله ابن عباس .

وقال : لم تزن امرأة نبي قط ، ولا ابتلي في نسائه بالزنا .

قال في التحرير : وهذا إجماع من المفسرين ، وفي كتاب ابن عطية .

وقال الحسن في كتاب النقاش : فخانتاهما بالكفر والزنا وغيره .

وقال الزمخشري : ولا يجوز أن يراد بالخيانة الفجور ، لأنه سمج في الطباع نقيصة عند كل أحد ، بخلاف الكفر ، فإن الكفر يستسمجونه ويسمونه حقاً .

وقال الضحاك : خانتاهما بالنميمة ، كان إذا أوحى إليه بشيء أفشتاه للمشركين ، وقيل : خانتاهما بنفاقهما .

قال مقاتل : اسم امرأة نوح والهة ، واسم امرأة لوط والعة .

{ فلم يغنيا } بياء الغيبة ، والألف ضمير نوح ولوط : أي على قربهما منهما فرق بينهما الخيانة .

{ وقيل ادخلا النار } : أي وقت موتهما ، أو يوم القيامة ؛ { مع الداخلين } : الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أو مع من دخلها من إخوانكما من قوم نوح وقوم لوط .

وقرأ مبشر بن عبيد : تغنيا بالتاء ، والألف ضمير المرأتين ، ومعنى { عنهما } : عن أنفسهما ، ولا بد من هذا المضاف إلا أن يجعل عن اسما ، كهي في : دع عنك ، لأنها إن كانت حرفاً ، كان في ذلك تعدية الفعل الرافع للضمير المتصل إلى ضمير المجرور ، وهو يجري مجرى المنصوب المتصل ، وذلك لا يجوز .