ثم ضرب اللَّهُ مثلاً للصَّالحات ، من النِّساء ، فقال :{ ضَرَبَ الله مَثَلاً } إلى آخره ، تقدم الكلام على «ضرب » مع «المَثَل » ، وهل هو بمعنى «صير » أم لا ؟ وكيف ينتصب ما بعدها في سورة «النحل »{[57263]} .
ضرب الله هذا المثل تنبيهاً على أنه لا يغني أحد عن قريب ، ولا نسب في الآخرة إذا فرق بينهما الدِّين ، وكان اسم امرأة نوح «والهة » ، وامرأة لوط «والغة » ، قاله مقاتل .
وقال الضحاكُ عن عائشة - رضي الله عنها - : إن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أن اسم امرأة نوح «وَاغِلة » وامرأة لوط «والهة » ، { كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ } يعني نوحاً ولوطاً{[57264]} .
ويجوز أن يكون «امْرَأة نُوحٍ » بدلاً من قوله «مثلاً » على تقدير حذف المضاف ، أي : ضرب الله مثلاً مثل امرأة نوح .
قوله : { كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ } .
جملة مستأنفة كأنها مفسرة ل «ضَرْبِ المثلِ » ، ولم يأت بضميرهما ، فيقال : تحتهما أي : تحت نوح ولوط ، لما قصد من تشريفهما بهذه الإضافة الشريفة ، وليصفهما بأجَلّ الصِّفات ، وهو الصَّلاح .
قال عكرمة ، والضحاك : بالكفر{[57265]} .
وقال سليمان بن رقية ، عن ابن عباس : كانت امرأة تقول للناس : إنه مجنون وامرأة لوط كانت تخبر بأضيافه{[57266]} .
وعن ابن عباس : ما بَغَت{[57267]} امرأة نبي قط ، وإنما كانت خيانتهما أنهما كانا على غير دينهما{[57268]} .
قال القشيريُّ : وهذا إجماع من المفسرين إنما كانت خيانتهما في الدين ، وكانتا مشركتين وقيل : كانتا منافقتين .
وقيل : خيانتهما النَّميمةُ إذا أوحى الله إليهما شيئاً أفشتاه إلى المشركين ، قاله الضحاك .
وقيل : كانت امرأة لوط إذا نزل به ضيف دخنت لتعلم قومها أنه قد نزل به ضيف لما كانوا عليه من إتيان الرجال .
العامة : بالياء من تحت ، أي : لم يغن نوح ولوط عن امرأتيهما شيئاً من الإغناء من عذاب الله .
وقرأ مبشر{[57269]} بن عبيد : تغنيا - بالتاء من فوق - ، أي : فلم تُغْن المرأتان عن أنفسهما .
وفيها إشكال إذ يلزم من ذلك تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل في غير المواضع المستثناة .
وجوابه : أن «عَنْ » هنا اسم كهي في قوله : [ الكامل ]
4790 - دَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ في حَجَراتِهِ *** . . . {[57270]}
وقد تقدم هذا والاعتراض عليه بقوله : { وهزي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة }[ مريم : 25 ] { واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ }[ القصص : 32 ] ، والجواب هناك .
معنى الآية : لم يدفع نوح ، ولوط مع كرامتهما على الله تعالى عن زوجتيهما لما عصيا شيئاً من عذاب اللَّه تنبيهاً بذلك على أنَّ العذاب يدفع بالطَّاعة ، لا بالوسيلة .
وقيل : إن كفار مكة استهزءوا وقالوا : إنَّ محمداً يشفع لنا ، فبين تعالى أن الشفاعة لا تنفع كفار «مكة » ، وإن كانوا أقرباء كما لا ينفع شفاعة نوح امرأته ، وشفاعة لوط لامرأته مع قربهما له لكفرهما .
{ وَقِيلَ ادخلا النار مَعَ الداخلين } في الآخرة كما يقال لكفار مكة وغيرهم . قطع الله بهذه الآية طمع من يرتكب المعصية أن ينفعه صلاح غيره ، ثم أخبر أن معصية غيره لا تضره إذا كان مطيعاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.