روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖۖ كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمۡ يُغۡنِيَا عَنۡهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَقِيلَ ٱدۡخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّـٰخِلِينَ} (10)

{ ضَرَبَ الله مَثَلاً لّلَّذِينَ كَفَرُواْ } ضرب المثل في مثل هذا الموقع عبارة عن إيراد حالة غريبة لتعرف بها حالة أخرى مشاكلة لها في الغرابة أي جعل الله تعالى مثلاً لحال الكفرة حالاً ومآلاً على أن مثلاً مفعول ثان لضرب . واللام متعلقة به ، وقوله تعالى : { امرأت نُوحٍ } واسمها قيل : والعة { وامرأت لُوطٍ } واسمها قيل : واهلة ، وقيل : والهة ، وعن مقاتل اسم امرأة نوح والهة . واسم امرأة لوط والعة مفعوله الأول ؛ وأخر عنه ليتصل به ما هو شرح وتفسير لحالهما ، ويتضح بذلك حال الكفرة ، والمراد ضرب الله تعالى مثلاً لحال أولئك حال { امرأت } الخ ، فقوله تعالى :

{ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صالحين } بياناً لحالهما الداعية لهما إلى الخير والصلاح ، ولم يقل : تحتهما للتعظيم أي كانتا في عصمة نبيين عظيمي الشأن متمكنتين من تحصيل خير الدنيا والآخرة ، وحيازة سعادتهما ، وقوله تعالى : { فَخَانَتَاهُمَا } بيان لما صدر عنهما من الخيانة العظيمة مع تحقق ما ينافيها من مرافقة النبي عليه الصلاة والسلام ، أما خيانة امرأة نوح عليه السلام فكانت تقول للناس : إنه مجنون ، وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل على الضيف رواه جمع وصححه الحاكم عن ابن عباس .

وأخرج ابن عدي . والبيهقي في «شعب الإيمان » ، وابن عساكر عن الضحاك أنه قال : خيانتهما النميمة ، وتمامه في رواية : كانتا إذا أوحى الله تعالى بشيء أفشتاه للمشركين ، وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال : خيانتهما أنهما كانتا كافرتين مخالفتين ، وقيل : كانتا منافقتين ، والخيانة . والنفاق قال الراغب : واحد إلا أن الخيانة تقال اعتباراً بالعهد والأمانة ، والنفاق يقال اعتباراً بالدين ثم يتداخلان ، فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر ونقيضها الأمانة ، وحمل ما في الآية على هذا ، ولا تفسر ههنا بالفجور لما أخرج غير واحد عن ابن عباس " ما زنت امرأة نبي قط " ورفعه أشرس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي «الكشاف » لا يجوز أن يراد بها الفجور لأنه سمج في الطبع نقيصة عند كل أحد بخلاف الكفر فإن الكفر لا يستسمجونه ويسمونه حقاً .

ونقل ابن عطية عن بعض تفسيرها بالكفر . والزنا . وغيره ، ولعمري لا يكاد يقول بذلك إلا ابن زنا ، فالحق عندي أن عهر الزوجات كعهر الأمهات من المنفرات التي قال السعد : إن الحق منعها في حق الأنبياء عليهم السلام ، وما ينسب للشيعة مما يخالف ذلك في حق سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم كذب عليهم فلا تعول عليه وإن كان شائعاً ، وفي هذا على ما قيل : تصوير لحال المرأتين المحاكية لحال الكفرة في خيانتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالكفر والعصيان مع تمكنهم التام من الإيمان والطاعة ، وقوله تعالى : { فَلَمْ يُغْنِينَا } الخ بيان لما أدى إليه خيانتهما أي فلم يغن ذانك العبدان الصالحان والنبيان العظيمان { عَنْهُمَا } بحق الزواج { مِنَ الله } أي من عذابه عز وجل { شَيْئاً } أي شيئاً من الإغناء ، أو شيئاً من العذاب .

{ وَقِيلَ } لهما عند موتهما . أو يوم القيامة ، وعبر بالماضي لتحقق الوقوع { ادخلا النار مَعَ الدخلين } أي مع سائر الداخلين من الكفرة الذي لا وصلة بينهم وبين الأنبياء عليهم السلام .

وذكر غير واحد أن المقصود الإشارة إلى أن الكفرة يعاقبون بكفرهم ولا يراعون بما بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من الوصلة ، وفيه تعريض لأمهات المؤمنين وتخويف لهنّ بأنه لا يفيدهن إن أتين بما حظر عليهم كونهن تحت نكاح النبي صلى الله عليه وسلم وليس في ذلك ما يدل على أن فيهن كافرة أو منافقة كما زعمه يوسف الأوالي من متأخري الإمامية سبحانك هذا بهتان عظيم .

وقرأ مبشر بن عبيد تغنيا بالتاء المثناة من فوق ، و { عَنْهُمَا } عليه بتقدير عن نفسهما قال أبو حيان : ولا بد من هذا المضاف إلا أن يجعل عن اسماً كهي في : دع عنك لأنها إن كانت حرفاً كان في ذلك تعدية الفعل الرافع للضمير المتصل إلى ضميره المجرور وهو يجري مجرى الضمير المنصوب وذلك لا يجوز ، وفيه بحث .