{ وله الكبرياء في السموات والأرض } : أي العظمة والحكم النافذ الناجز على من شاء .
{ وهو العزيز الحكيم } : أي وهو العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبير خلقه .
وقوله { وله الكبرياء } أي العظمة والسلطان { في السموات والأرض وهو العزيز } الذي لا يمانع ولا يغالب ، والشديد الانتقام ، الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه الحكيم في تدبير خلقه ويتجلى ذلك في إكرام أوليائه برحمتهم ، وإهانة أعدائهم بتعذيبهم في دار العذاب النار وبئس المصير .
{ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي : له الجلال والعظمة والمجد .
فالحمد فيه الثناء على الله بصفات الكمال ومحبته تعالى وإكرامه ، والكبرياء فيها عظمته وجلاله ، والعبادة مبنية على ركنين ، محبة الله والذل له ، وهما ناشئان عن العلم بمحامد الله وجلاله وكبريائه .
{ وَهُوَ الْعَزِيزُ } القاهر لكل شيء ، { الْحَكِيمُ } الذي يضع الأشياء مواضعها ، فلا يشرع ما يشرعه إلا لحكمة ومصلحة ، ولا يخلق ما يخلقه إلا لفائدة ومنفعة .
قوله تعالى : { فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين* وله الكبرياء } العظمة ، { في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } .
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، حدثنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي ، أنبأنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الشرقي ، حدثنا أحمد بن حفص وعبد الله بن محمد الفراء وقطن بن إبراهيم قالوا ، أنبأنا حفص بن عبد الله ، حدثني إبراهيم بن طهمان ، عن عطاء بن السائب ، عن الأغر أبي مسلم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله عز وجل : الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحداً منهما أدخلته النار " .
ولما أفاد ذلك غناه{[58425]} الغنى المطلق وسيادته وأنه لا كفوء له ، عطف عليه بعض اللوازم لذلك تنبيهاً على مزيد الاعتناء به لدفع ما يتوهمونه من ادعاء الشركة التي لا-{[58426]} يرضونها لأنفسهم فقال : { وله } أي وحده{[58427]} { الكبرياء } أي الكبر الأعظم الذي لا نهاية له{[58428]} : { في السماوات } كلها { والأرض } جميعها{[58429]} اللتين فيهما آيات للمؤمنين{[58430]} ، روى مسلم وأبو داود{[58431]} وابن ماجة{[58432]} عن أبي هريرة ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول الله عز وجل : " الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما أدخلته النار " ، وفي رواية : عذبته ، وفي رواية : قصمته .
( وهو } وحده { العزيز } الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء { الحكيم * } الذي يضع الأشياء في أتقن مواضعها ولا يضع شيئاً إلا كذلك{[58433]} كما أحكم أمره ونهيه وجميع شرعه ، وأحكم نظم هذا القرآن جملاً وآيات ، وفواصل وغايات ، بعد أن حرر معانيه وتنزيله جواباً لما كانوا يعتنون به ، فصار معجزاً في نظمه ومعناه وإنزاله طبق أجوبة{[58434]} الوقائع على ما اقتضاه الحال ، فانطبق آخرها{[58435]} على أولها بالصفتين المذكورتين ، وبالحث على الاعتبار بآيات الخافقين ، والتصريح بما لزم ذلك من الكبرياء المقتضية لإذلال الأعداء وإعزاز الأولياء - والله الهادي {[58436]}إلى الصواب وإليه المرجع والمآب - والله أعلم بمراده{[58437]} .