الكبرياء : العظمة ، وهي من الله ممدوحة لأنه العظيم الذي لا يدرك الخيال لعظمته حدّا ، وليس المراد بها أنه متصف بصفة المتكبرين من احتقار الناس وامتهانهم .
{ وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } .
العظمة والجلال والسلطان والكمال لله وحده الذي خضع له الكون وذلت لعظمته الجباه ، وسبح بحمده كل كائن ، وله كمال الذات وكمال الوجود ، فلا تخضع الجباه إلا له ، ولا ينبغي التسبيح إلا له ، فله الحمد وله الملك وله الكبرياء في السماوات والأرض ، لا عن تجبر وترفع عن الفقراء ، بل هو أهل لأن يحمد ، وهو أهل لأن يطاع ويوقر ، ويعظم فلا يعصى ولا يجحد ، وهو العزيز الذي لا يقهر ، والحكيم في كل ما قضى وقدر ، وهو بحكمته يضع الشيء في موضعه ، وجميع أعماله صادرة عن حكمة إلهية عليا .
وقد ورد في الحديث الصحيح : ( العظمة إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن نازعني واحدا منهما أسكنته ناري )11 .
{ وله الكبرياء في السماوات والأرض . . . }
يعني : السلطان ، أي هو العظيم المجد ، الذي كل شيء خاضع له ، فقير إليه .
{ وهو العزيز . . . } الذي لا يغالب ولا يمانع .
{ الحكيم } . في أقواله وأفعاله ، وشرعه وقدره ، تعالى وتقدس لا إله إلا هو .
ونلاحظ أن قراءة حفص : { رب السماوات } . بخفض رب ، على أنه صفة للفظ الجلالة أو بدل منه .
وجاء في تفسير القرطبي ما يأتي :
قرأ مجاهد وحميد وابن محيصن : { رب السماوات ورب الأرض رب العالمين } . بالرفع فيها كلها على معنى : هو رب .
{ وله الكبرياء } . أي : العظمة والجلال والبقاء والسلطان والقدرة والكمال .
1- إقامة الأدلة على وجود الخالق سبحانه .
2- وعيد من كذب بآياته واستكبر عن سماعها .
3- طلب العفو من المؤمنين عن زلات الكافرين .
4- الامتنان على بني إسرائيل بما آتاهم الله من النعم الروحية والمادية .
5- أمر الله رسوله ألا يطيع المشركين ولا يتبع أهواءهم .
6- لا يستوي مرتكب السيئات العاصي للرحمان ، وفاعل الحسنات المطيع لله ، فقد اختلفا سلوكا في الدنيا ، وكذلك الجزاء يوم القيامة من جنس العمل .
7- التعجب من حال المشركين الذين أضلهم الله على علم .
9- إذا زفرت جهنم جثت كل أمة على ركبها ، مستوفزة خاشعة خائفة من هول الموقف .
10- الأتقياء في الجنة ، والأشقياء في النار .
11- أهوال القيامة ، ومشاهد الكافرين يقرعون باللوم على استهزائهم بالقرآن ، وتكذيبهم بآيات الله .
12- ثناء المولى على نفسه ، وإثبات الكبرياء والعظمة له سبحانه وتعالى .
ثم بحمد الله تفسير سورة الجاثية ، ظهر السبت 21 من ربيع الأول 1421 ه ، الموافق 24 من يونيو 2000 ، بمدينة المقطم بالقاهرة ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
تخريج أحاديث وهوامش تفسير القرآن الكريم ( الجزء الخامس والعشرون )
خرّج أحاديثه الأستاذ كمال سعيد فهمي
1 عله يقصد الإشارة إلى آيات الله الكونية في نفع العباد في الدنيا ، ثم في عقوبة الكفار في الآخرة .
2 بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز 1/426 .
رواه أحمد في مسنده ( 24083 ) من حديث عائشة قالت : دعوات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يدعو بها : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، قالت : فقلت : يا رسول الله إنك تكثر تدعو بهذا الدعاء ، فقال : ( إن قلب الآدمي بين أصبعين من أصابع الله عز وجل فإذا شاء أزاغه وإذا شاء أقامه ) . ورواه الترمذي في الدعوات ( 3522 ) وأحمد في مسنده ( 25980 ) من حديث شهر بن حوشب قال : قلت لأم سلمة : يا أم المؤمنين ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك قالت : كان أكثر دعائه : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك قالت : فقلت : يا رسول الله ما أكثر دعاءك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ؟ قال : ( يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ ) ، فتلا معاذ { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } . قال أبو عيسى : وهذا حديث حسن . ورواه الترمذي في القدر ( 2140 ) وقال : حسن ، وابن ماجة في الدعاء ( 3834 ) وأحمد في مسنده ( 11697 ) من حديث أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) ، فقلت : يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا ؟ قال : ( نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء ) . قال الترمذي : وحديث أبي سفيان عن أنس أصح . ورواه أحمد ( 17178 ) والحاكم في المستدرك ( 2/288 ) من حديث النواس بن سمعان الكلابي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع رب العالمين إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه ) . وكان يقول : ( يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، والميزان بيد الرحمان عز وجل يخفضه ويرفعه ) . ورواه الترمذي في الدعوات ( 3587 ) من حديث عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه عن جده قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، وقد وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه وبسط السبابة ، وهو يقول : ( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ) . قال أبو عيسى : هذا حديث غريب من هذا الوجه . ورواه مسلم في القدر ( 2654 ) وأحمد في مسنده ( 6533 ) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال : إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمان كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ) ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ) .
4 في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب ، جزء 25 ص 132 ، طبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه .
5 تفسير القرطبي ، مجلد 7 ص 6176 ، طبعة دار الغد العربي –العباسية- القاهرة . وقارن بتفسير مقاتل بن سليمان ، تحقيق د . عبد الله شحاتة 3/840 .
6 الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت :
رواه الترمذي في صفة القيامة ( 2459 ) وابن ماجة في الزهد ( 4260 ) وأحمد في مسنده ( 16674 ) من حديث شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله ) . قال : هذا حديث حسن : ومعنى قوله : ( من دان نفسه ) يقول : حاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة ، ويروى عن عمر بن الخطاب قال : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وتزينوا للعرض الأكبر ، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا ، ويروى عن ميمون بن مهران قال : لا يكون العبد تقيا حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه من أين مطمعه وملبسه .
7 زبدة التفسير من فتح القدير ، محمد سليمان عبد الله الأشقر ، ص 644 طبعة أولى ، على نفقة وزارة الأوقاف -الكويت .
8 صفوة التفاسير ، محمد علي الصابوني ، المجلد الثالث ص 188 .
رواه البخاري في التفسير ( 4850 ) ومسلم في الجنة ( 2846 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين ، وقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم ، قال الله تبارك وتعالى للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار : إنما أنت عذابي أعذاب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منهما ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول : قط قط فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا ، وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشىء لها خلقا ) .
10 أي فل ، ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل :
رواه مسلم في الزهد ( 2968 ) من حديث أبي هريرة قال : قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة ) ؟ قالوا : لا ، قال : ( فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة ) ، قالوا : لا ، قال : ( فو الذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما ) ، قال : ( فيلقى العبد فيقول : أي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع ، فيقول : بلى ، قال : فيقول : أفظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا ، فيقول : فإني أنساك كما نسيتني ، ثم يلقى الثاني فيقول : أي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع ، فيقول : بلى أي رب ، فيقول : أفظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا ، فيقول : فإني أنساك كما نسيتني ، ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول : يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع فيقول هاهنا إذا قال ثم يقال له : الآن نبعث شاهدنا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه : انطقي ، فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله ، وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي يسخط الله عليه ) .
11 وفي رواية : ( فمن نازعني فيهما قصمته ولا أبالي ) ، والحديث في صحيح مسلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.