في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (28)

وهكذا صدقت رؤيا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وتحقق وعد الله . ثم كان الفتح في العام الذي يليه . وظهر دين الله في مكة . ثم ظهر في الجزيرة كلها بعد . ثم تحقق وعد الله وبشراه الأخيرة حيث يقول :

هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وكفى بالله شهيدا . .

فلقد ظهر دين الحق ، لا في الجزيرة وحدها ، بل ظهر في المعمور من الأرض كلها قبل مضي نصف قرن من الزمان . ظهر في امبراطورية كسرى كلها ، وفي قسم كبير من امبراطورية قيصر ، وظهر في الهند وفي الصين ، ثم في جنوب آسيا في الملايو وغيرها ، وفي جزر الهند الشرقية " أندونيسيا " . . وكان هذا هو معظم المعمور من الأرض في القرن السادس ومنتصف القرن السابع الميلادي .

وما يزال دين الحق ظاهرا على الدين كله - حتى بعد انحساره السياسي عن جزء كبير من الأرض التي فتحها ، وبخاصة في أوربا وجزر البحر الأبيض . وانحسار قوة أهله في الأرض كلها بالقياس إلى القوى التي ظهرت في الشرق والغرب في هذا الزمان .

أجل ما يزال دين الحق ظاهرا على الدين كله ، من حيث هو دين . فهو الدين القوي بذاته ، القوي بطبيعته ، الزاحف بلا سيف ولا مدفع من أهله ! لما في طبيعته من استقامة مع الفطرة ومع نواميس الوجود الأصلية ؛ ولما فيه من تلبية بسيطة عميقة لحاجات العقل والروح ، وحاجات العمران والتقدم ، وحاجات البيئات المتنوعة ، من ساكني الأكواخ إلى سكان ناطحات السحاب !

وما من صاحب دين غير الإسلام ، ينظر في الإسلام نظرة مجردة من التعصب والهوى حتى يقر باستقامة هذا الدين وقوته الكامنة ، وقدرته على قيادة البشرية قيادة رشيدة ، وتلبية حاجاتها النامية المتطورة في يسر واستقامة . . ( وكفى بالله شهيدا ) . .

فوعد الله قد تحقق في الصورة السياسية الظاهرة قبل مضي قرن من الزمان بعد البعثة المحمدية . ووعد الله ما يزال متحققا في الصورة الموضوعية الثابتة ؛ وما يزال هذا الدين ظاهرا على الدين كله في حقيقته . بل إنه هو الدين الوحيد الباقي قادرا على العمل ، والقيادة ، في جميع الأحوال .

ولعل أهل هذا الدين هم وحدهم الذين لا يدركون هذه الحقيقة اليوم ! فغير أهله يدركونها ويخشونها ، ويحسبون لها في سياساتهم كل حساب !

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (28)

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (28)

ليُظهره على الدين كله : ليعليه على سائر الأديان .

ثم أكد صدقَ الرسول الكريم في الرؤيا بقوله :

{ هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ وكفى بالله شَهِيداً }

وهذا وعدٌ من الله حقّقه للرسول الكريم في حياته ثم انتشر الإسلام في جميع أرجاء الأرض في اقصر مدة .

وبعد أن بين الله تعالى أنه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق الذي هو الإسلام ، ليظهره على جميع الأديان ، أردف ذلك ببيان أوصاف الرسول الكريم وأصحابه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (28)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{هو الذي أرسل رسوله} محمدا صلى الله عليه وسلم {بالهدى} من الضلالة {ودين الحق} يعني دين الإسلام لأن كل دين باطل غير الإسلام {ليظهره على الدين كله} يعني على ملة أهل الأديان كلها، ففعل الله ذلك به حتى قتلوا وأقروا بالخراج، وظهر الإسلام على أهل كل دين {ولو كره المشركون} [الصف:9] يعني العرب. {وكفى بالله شهيدا} فلا شاهد أفضل من الله تعالى بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله، فلما كتبوا الكتاب يوم الحديبية، وكان كتبه علي بن أبي طالب، عليه السلام، فقال سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى: لا نعرف أنك رسول الله، ولو عرفنا ذلك لقد ظلمناك إذا حين نمنعك عن دخول بيته، فلما أنكروا أنه رسول الله، أنزل الله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى} من الضلال {ودين الحق} إلى آخر السورة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني تعالى ذكره بقوله:"هُوَ الّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدَى وَدِينِ الحَقّ "الذي أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالبيان الواضح، وَدِين الحَق، وهو الإسلام الذي أرسله داعيا خلقه إليه "لِيُظْهِرَهُ عَلى الدّينِ كُلّهِ" يقول: ليبطل به الملل كلها، حتى لا يكون دين سواه، وذلك كان كذلك حتى ينزل عيسى ابن مريم، فيقتل الدجال، فحينئذٍ تبطل الأديان كلها غير دين الله الذي بعث به محمدا صلى الله عليه وسلم، ويظهر الإسلام على الأديان كلها.

وقوله: "وكَفَى باللّهِ شَهِيدا" يقول جلّ ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم: أشهدك يا محمد ربك على نفسه، أنه سيظهر الدين الذي بعثك به، "وكَفَى باللّهِ شَهِيدا" يقول: وحسبك به شاهدا... وهذا إعلام من الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، والذين كرهوا الصلح يوم الحُديبية من أصحابه، أن الله فاتح عليهم مكة وغيرها من البلدان، مسليهم بذلك عما نالهم من الكآبة والحزن بانصرافهم عن مكة قبل دخولهموها، وقبل طوافهم بالبيت.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أي أرسله بالهدى من كل ضلالة أو حيرة، أو أرسله بالبيان من كل عمًى وشُبهة، وهو هذا القرآن الذي سمّاه مرة هدًى ومرة رحمةً ومرة نورًا...

{ودين الحق} جائز أن يكون {الحق} هو نعت الدين، وهو الإسلام، وهو الدين الحق، وسائر الأديان باطلة. ويحتمل أن يكون قوله تعالى: {ودين الحق} أي دين الإله الذي هو الإله الحق، وهو الإله المستحق الألوهية، وغيره من الأديان دين الشيطان، ولا قوة إلا بالله...

ثم تُخرّج غلبته {على الدين كله} على وجهين:

أحدهما: أي غلب هذا الدين على الأديان كلها بالحُجج والبراهين وأنه من عند الله جاء. وقد كان بحمد الله كما ذُكر حتى عرف أهل الأديان كلها بالحجج والبراهين أنه حق إلا من كابر عقله، وعاند الحق، أو غفل عن دلالته...

والثاني: يغلب على أهل الأديان كلهم حتى يصير أهل الإسلام ظاهرين غالبين من بين غيرهم. ويتوارى جميع أهل الأديان، ويختفون. ولكن ذلك في وقت دون وقت، وهو الوقت الذي ذكره أهل التأويل، وهو في وقت خروج عيسى عليه السلام يصير أهل الأديان كلهم أهل دين واحد، وهو الإسلام...

وقوله تعالى: {وكفى بالله شهيدا} هذا يحتمل وجهين:

أحدهما: {وكفى بالله شهيدا} بأن ما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إنما جاء به من عند الله. فإن كان التأويل هذا فإنما تكون هذه الشهادة في الآخرة.

والثاني: يحتمل قوله تعالى: {وكفى بالله شهيدا} بما أنشأ له من الآيات والحجج شهادة منه على رسالته ونبوته. وذلك في الدنيا، والله أعلم...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{بالهدى وَدِينِ الحق} بدين الإسلام {لِيُظْهِرَهُ} ليعليه {عَلَى الدين كُلِّهِ} على جنس الدين كله، يريد: الأديان المختلفة من أديان المشركين والجاحدين من أهل الكتاب: وقد حقق ذلك سبحانه، فإنك لا ترى ديناً قط إلا وللإسلام دونه العز والغلبة. وقيل: هو عند نزول عيسى حين لا يبقى على وجه الأرض كافر. وقيل: هو إظهاره بالحجج والآيات. وفي هذه الآية تأكيد لما وعد من الفتح وتوطين لنفوس المؤمنين على أنّ الله تعالى سيفتح لهم من البلاد ويقيض لهم من الغلبة على الأقاليم ما يستقلون إليه من فتح مكة {وكفى بالله شَهِيداً} على أنّ ما وعده كائن. وعن الحسن رضي الله عنه: شهد على نفسه أنه سيظهر دينك...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{هو الذي أرسل رسوله بالهدى} وحكى له ما سيكون في اليقظة، ولا يبعد من أن يريه في المنام ما يقع فلا استبعاد في صدق رؤياه... وفيها أيضا بيان وقوع الفتح ودخول مكة بقوله تعالى: {ليظهره على الدين كله} أي من يقويه على الأديان لا يستبعد منه فتح مكة له... و (الهدى) يحتمل أن يكون هو القرآن كما قال تعالى: {أنزل فيه القرآن هدى للناس} وعلى هذا {دين الحق} هو ما فيه من الأصول والفروع، ويحتمل أن يكون الهدى هو المعجزة أي أرسله بالحق أي مع الحق إشارة إلى ما شرع، ويحتمل أن يكون الهدى هو الأصول و {دين الحق} هو الأحكام، وذلك لأن من الرسل من لم يكن له أحكام بل بين الأصول فحسب... والألف واللام في الهدى يحتمل أن تكون للاستغراق أي كل ما هو هدى، ويحتمل أن تكون للعهد وهو قوله تعالى: {ذلك هدى الله يهدي به من يشاء} [الزمر: 23]...

وقوله تعالى: {ودين الحق} يحتمل وجوها:

(أحدها) أن يكون الحق اسم الله تعالى فيكون كأنه قال: بالهدى ودين الله،

(وثانيها) أن يكون الحق نقيض الباطل فيكون كأنه قال: ودين الأمر الحق

(وثالثها) أن يكون المراد به الانقياد إلى الحق والتزامه...

وأكثر المفسرين على أن الهاء في قوله {ليظهره} راجعة إلى الرسول، والأظهر أنه راجع إلى دين الحق أي أرسل الرسول بالدين الحق ليظهره أي ليظهر الدين الحق على الأديان، وعلى هذا فيحتمل أن يكون الفاعل للإظهار هو الله، ويحتمل أن يكون هو النبي أي ليظهر النبي دين الحق...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} أي: بالعلم النافع والعمل الصالح؛ فإن الشريعة تشتمل على شيئين: علم وعمل، فالعلم الشرعي صحيح، والعمل الشرعي مقبول، فإخباراتها حق وإنشاءاتها عدل، {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} أي: على أهل جميع الأديان من سائر أهل الأرض، من عرب وعجم ومليين ومشركين، {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} أي: أنه رسوله، وهو ناصره...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{هو} أي وحده {الذي أرسل رسوله} أي الذي لا رسول أحق منه بإضافته إليه -صلى الله عليه وسلم {بالهدى} الكامل الذي يقتضي أن يستقيم به أكثر الناس، ولو أنه أخبر بشيء يكون فيه أدنى مقال لم يكن الإرسال بالهدى {ودين الحق} أي الأمر الثابت الكامل في الثبات الذي يطابقه الواقع {ليظهره} أي دينه {على الدين كله} دين أهل مكة و- العرب عباد الأصنام...

. {وكفى بالله} أي الذي له الإحاطة بجميع صفات الكمال {شهيداً} أي ذا رؤية وخبرة بطية كل شيء ودخلته لما له الغنى في أمره، ولا شهيد في الحقيقة إلا هو سبحانه لأنه لا إحاطة وخبرة ورقبة إلا له سبحانه، وهو يشهد بكل ما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه الصورة خصوصاً وفي غيرها عموماً.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

أخبر بحكم عام، فقال: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى} الذي هو العلم النافع، الذي يهدي من الضلالة، ويبين طرق الخير والشر. {وَدِينِ الْحَقِّ} أي: الدين الموصوف بالحق، وهو العدل والإحسان والرحمة. وهو كل عمل صالح مزك للقلوب، مطهر للنفوس، مرب للأخلاق، معل للأقدار. {لِيُظْهِرَهُ} بما بعثه الله به {عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} بالحجة والبرهان، ويكون داعيا لإخضاعهم بالسيف والسنان...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وهكذا صدقت رؤيا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وتحقق وعد الله. ثم كان الفتح في العام الذي يليه. وظهر دين الله في مكة. ثم ظهر في الجزيرة كلها بعد. ثم تحقق وعد الله وبشراه الأخيرة حيث يقول:

هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا.

فلقد ظهر دين الحق، لا في الجزيرة وحدها، بل ظهر في المعمور من الأرض كلها قبل مضي نصف قرن من الزمان. ظهر في امبراطورية كسرى كلها، وفي قسم كبير من امبراطورية قيصر، وظهر في الهند وفي الصين، ثم في جنوب آسيا في الملايو وغيرها، وفي جزر الهند الشرقية "أندونيسيا".. وكان هذا هو معظم المعمور من الأرض في القرن السادس ومنتصف القرن السابع الميلادي.

وما يزال دين الحق ظاهرا على الدين كله -حتى بعد انحساره السياسي عن جزء كبير من الأرض التي فتحها، وبخاصة في أوربا وجزر البحر الأبيض. وانحسار قوة أهله في الأرض كلها بالقياس إلى القوى التي ظهرت في الشرق والغرب في هذا الزمان.

أجل ما يزال دين الحق ظاهرا على الدين كله، من حيث هو دين. فهو الدين القوي بذاته، القوي بطبيعته، الزاحف بلا سيف ولا مدفع من أهله! لما في طبيعته من استقامة مع الفطرة ومع نواميس الوجود الأصلية؛ ولما فيه من تلبية بسيطة عميقة لحاجات العقل والروح، وحاجات العمران والتقدم، وحاجات البيئات المتنوعة، من ساكني الأكواخ إلى سكان ناطحات السحاب!

وما من صاحب دين غير الإسلام، ينظر في الإسلام نظرة مجردة من التعصب والهوى حتى يقر باستقامة هذا الدين وقوته الكامنة، وقدرته على قيادة البشرية قيادة رشيدة، وتلبية حاجاتها النامية المتطورة في يسر واستقامة.. (وكفى بالله شهيدا)..

فوعد الله قد تحقق في الصورة السياسية الظاهرة قبل مضي قرن من الزمان بعد البعثة المحمدية. ووعد الله ما يزال متحققا في الصورة الموضوعية الثابتة؛ وما يزال هذا الدين ظاهرا على الدين كله في حقيقته. بل إنه هو الدين الوحيد الباقي قادرا على العمل، والقيادة، في جميع الأحوال.

ولعل أهل هذا الدين هم وحدهم الذين لا يدركون هذه الحقيقة اليوم! فغير أهله يدركونها ويخشونها، ويحسبون لها في سياساتهم كل حساب!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

المراد {بالهدى} أصول الدين من اعتقاد الإيمان وفضائل الأخلاق التي بها تزكية النفس، و {بدين الحق}: شرائع الإسلام وفروعه.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ} الذي يفتح عقول الناس وقلوبهم على الحقّ، ويمهّد لهم سبيل الوصول إلى ما يقرّبهم من الصلاح ويبعدهم عن الفساد، {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ} ليهيمن الإسلام على الواقع ويسيطر الطرح الإسلامي على كل طروحات الباطل ذات العناوين الدينية أو غير الدينية...

{وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} على الدين كله وعلى صدق الرسالة والرسول...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ما المراد ب «الظهور على الدين كلّه»؟ أهو الظهور المنطقي؟! أم الظهور والغلبة العسكريان؟! هناك اختلاف بين المفسّرين.. يعتقد جماعة منهم أنّ هذا الظهور هو الظهور المنطقي والاستدلالي فحسب وهذا الأمر متحقق، لأنّ الإسلام متفوّق من حيث الاستدلال والقدرة المنطقية على جميع الأديان. ولكنّ جماعة آخرين فسّروا هذا الظهور بالغلبة الظاهرية وغلبة القوة، وموارد استعمال كلمة «يظهر» ومشتقاتها أيضاً دليل على الغلبة الخارجية... ولهذا يمكن القول أنّه بالإضافة إلى نفوذ الإسلام في مناطق كثيرة واسعة من الشرق والغرب وهي تحت لوائه اليوم وتدين به أكثر من أربعين دولة إسلامية بنفوس يقدّر إحصاؤها بأكثر من مليار نسمة فإنّه سيأتي زمان على الناس يستوعب الإسلام جميع أرجاء المعمورة...

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (28)

{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله } ليجعل دين الحق ظاهرا على سائر الأديان عاليا عليها { وكفى بالله شهيدا } أنك مرسل بالحق

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (28)

ولما أخبر بهذه الأمور الجليلة الدقيقة المبنية على إحاطة العلم ، عللها سبحانه وبين الصدق فيها بقوله تعالى : { هو } أي وحده { الذي أرسل رسوله{[60505]} } أي الذي{[60506]} لا رسول أحق منه بإضافته إليه - صلى الله عليه وسلم { بالهدى{[60507]} } الكامل الذي يقتضي أن{[60508]} يستقيم به أكثر الناس ، ولو أنه أخبر بشيء يكون فيه أدنى مقال{[60509]} لم يكن الإرسال{[60510]} بالهدى { ودين الحق } أي الأمر الثابت الكامل في الثبات الذي يطابقه الواقع { ليظهره } أي دينه { على الدين كله } دين أهل مكة و-{[60511]}العرب عباد الأصنام ، الذي يقتضي إظهاره عليه{[60512]} دخوله إليها آمناً ، وإظهاره على من سواهم من أهل الأديان الباطلة بأيدي صحابته الأبرار والتابعين{[60513]} لهم بإحسان إظهاراً يتكامل بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام مع الرفق بالخلق والرحمة لهم ، فلا يقتل إلا من لا صلاح له أصلاً ، وعلى قدر الجبروت يحصل القهر ، فلأجل ذلك هو يدبر أمره بمثل هذه الأمور التي توجب نصره وتعلي{[60514]} قدره مع الرفق بقومه وجميل الصنع لأتباعه ، فلا بد أن تروا من فتوح أكثر البلاد وقهر الملوك الشداد ما تعرفون به قدرة الله سبحانه وتعالى .

ولما كان في سياق إحاطة العلم ، وكان التقدير : شهد ربه سبحانه بتصديقه{[60515]} في كل ما قاله بإظهار المعجزات على يده ، بنى عليه قوله تعالى { وكفى بالله } أي الذي له الإحاطة بجميع صفات{[60516]} الكمال { شهيداً * } أي ذا رؤية وخبرة بطية كل شيء ودخلته لما له{[60517]} الغنى في أمره ، ولا شهيد في الحقيقة إلا هو سبحانه لأنه {[60518]}لا إحاطة وخبرة ورقبة{[60519]} إلا له سبحانه ، وهو يشهد بكل ما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه الصورة خصوصاً وفي غيرها عموماً .


[60505]:وقع في الأصل بعد:"بإضافته إليه" والترتيب من ظ ومد.
[60506]:من ظ ومد، وفي الأصل: رسولا.
[60507]:ليس في الأصل.
[60508]:من مد، وفي الأصل و ظ: أنه.
[60509]:زيدت الواو في الأصل، ولم تكن في ظ ومد فحذفناها.
[60510]:زيد في الأصل: إلا، ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[60511]:زيد من ظ ومد.
[60512]:من ظ ومد، وفي الأصل: عليهم.
[60513]:زيد في الأصل و ظ: والتابعي، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[60514]:من مد، وفي الأصل و ظ: تعالى.
[60515]:من ظ ومد، وفي الأصل: بتصديق.
[60516]:زيد في الأصل: الجمال والجلال، ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[60517]:من مد، وفي الأصل و ظ: فيه.
[60518]:من ظ ومد،وفي الأصل: الإحاطة وحيره ورومة-كذا.
[60519]:من ظ ومد،وفي الأصل: الإحاطة وحيره ورومة-كذا.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} (28)

قوله : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله } أرسل الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس مرشدا ومعلما ليهديهم سواء السبيل وليستنقذهم من ظلمة الباطل والضلال إلى نور الحق والهداية واليقين { ودين الحق } وهو الإسلام ، الدين الذي جاء بالحق وفيه من عظيم الأحكام والمعاني والعبر ، ومن حقائق العدل والخير والبر والفضل والرحمة ما تستقيم عليه حال البشرية في هذه الدنيا ، وما تنجو به يوم الحساب .

قوله : { ليظهره على الدين كله } أي ليعليه على سائر الأديان في الأرض وعلى الأمم والشعوب كافة . والله جل وعلا إنما يريد بذلك للبشرية الخير والأمن والهداية والسعادة . وهذه حقائق كبريات ليس لها وجود حقيقي معاين إلا في ظل الإسلام ، فإنه الدين السماوي الوحيد الذي يشيع في الدنيا المن والحق والعدل والرحمة ، ليكون الناس جميعا إخوانا مؤتلفين متوادين متعاونين . وذلك بما بني عليه الإسلام من قواعد عظيمة في غاية الكمال والجمال ، ترسخ في الأرض كل معاني الخير والصلاح والسعادة ، وتثير في النفس البشرية الإحساس الرهيف بالعطف والرأفة والإيثار وحب الآخرين .

والناس في ظل غير الإسلام لا يبرحهم الشقاء والتعس ولا تفارقهم المعضلات النفسية والاجتماعية ، الفردية منها والعامة ، وما ينشأ عن ذلك من مختلف الآلام والهموم والويلات وألوان المعاناة والأزمات وكل ذلك إنما يقع في معزل عن دين الإسلام . دين المودة والرحمة والبر والتعاون والإيثار . الدين الذي يمحو من النفس الكراهية والغلظة والأثرة ( الأنانية ) والتعصب . من أجل ذلك كتب الله أن يكون الإسلام ظاهرا ومهيمنا على الأديان وعلى الناس أجمعين ليكونوا بذلك سعداء آمنين راغدين غير ظالمين ولا مظلومين ، وقد حفتهم من الله الرحمة والبركة والطمأنينة وطيب المقام في الدنيا والآخرة .

قوله : { وكفى بالله شهيدا } الباء حرف جر زائد . و { شهيدا } منصوب على التمييز أو الحال . والتقدير : كفاكم الله شهيدا {[4274]} . والمعنى كفى الله شهيدا لنبيه صلى الله عليه وسلم . وتلك أكرم شهادة له بصحة نبوته وصدق ما جاء به . أو كفى الله شاهدا على أنه مظهر دينه على الأديان كافة{[4275]} .


[4274]:البيان لابن الأنباري جـ 2 ص 380.
[4275]:تفسير الطبري جـ 26 ص 68، 69 وتفسير ابن كثير جـ 4 ص 201.