وكان من مكرهم تحريض الناس على الاستمساك بالأصنام التي يسمونها آلهة : ( وقالوا : لا تذرن آلهتكم ) . . بهذه الإضافة : ( آلهتكم )لإثارة النخوة الكاذبة والحمية الآثمة في قلوبهم . وخصصوا من هذه الأصنام أكبرها شأنا فخصوها بالذكر ليهيج ذكرها في قلوب العامة المضللين الحمية والاعتزاز . . ( ولا تذرن ودا ، ولا سواعا ، ولا يغوث ، ويعوق ، ونسرا ) . . وهي أكبر آلهتهم التي ظلت تعبد في الجاهليات بعدهم إلى عهد الرسالة المحمدية .
{ ولا تذرن ودا ولا سوعا . . . } وهذه الخمسة أكبر الأصنام والصور التي كان قوم نوح يعبدونها ، ثم عبدتها العرب من بعدهم كما عبدت غيرها ؛ فكان ود لكلب بدومة الجندل . وسواع لهذيل بساحل البحر أو لهمدان . ويغوث لبني غطيف من مراد بالجرف من سبأ . أو لمراد ثم لغطفان . ويعوق لهمدان باليمن ، أو لمراد . ونسر لذي الكلاع من حمير .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وقالوا} وقولهم العظيم أنهم قالوا للضعفاء: {لا تذرن} عبادة {آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا} تذرن عبادة {يغوث و} لا تذرن عبادة {ويعوق و} لا تذرن عبادة {ونسرا} فهذه أسماء الآلهة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره مخبرا عن إخبار نوح، عن قومه:"وَقالُوا لا تَذَرُنّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنّ وُدّا وَلا سُوَاعا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرا". كان هؤلاء نفرا من بني آدم فيما ذُكر عن آلهة القوم التي كانوا يعبدونها. وكان من خبرهم فيما بلغنا عن محمد بن قيس قال: كانوا قوما صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صوّرناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوّروهم، فلما ماتوا، وجاء آخرون دبّ إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم، وبهم يُسقون المطر فعبدوهم.
وقال آخرون: هذه أسماء أصنام قوم نوح، ثم اتخذها العرب بعد ذلك.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
هذه المقالة منهم كانت بعد أن انقادت لهم الأتباع، واتبعتهم إلى ما دعوهم إليه من الأصنام، فقالوا بعد ذلك: {لا تذرن آلهتكم} أي لا تذرن عبادتها.
وقوله تعالى: {ولا تذرنّ ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} هي أسماء الأصنام التي كانوا يعبدونها.
ويحتمل أن يكون الذي بعثهم على ذلك، هو أنهم لم يروا أنفسهم تصلح لعبادة رب العالمين، كما يرى هؤلاء الذين يخدمون الأجلة في الشاهد؛ لا يطمع كل واحد منهم في خدمة الملوك، ولا يرى نفسه أهلا لخدمتهم، بل يشتغل بخدمة من دونهم أولا على رجاء أن يقربه إلى الملك، فكذلك هؤلاء حسبوا أنهم لا يصلحون لخدمة رب العالمين، فكانوا إذا رأوا شيئا حسنا كانوا يظنون أن حسنه لمنزلة له عند الله، فكانوا يقبلون على عبادته رجاء أن يقربهم إلى الله، فجعلوا الأصنام على أحسن ما قدروا عليه، ثم اشتغلوا بخدمتها وعبادتها رجاء أن تقربهم إلى الله تعالى. قال عز وجل حكاية عنهم: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] وقال: {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس: 18]. فجائز أن يكون هذا الحسبان، هو الذي حملهم على عبادتها وتعظيم شأنها، والله أعلم أي ذلك كان؟.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً} كأن هذه المسميات كانت أكبر أصنامهم وأعظمها عندهم، فخصوها بعد قولهم {لاَ تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمْ}.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله. قال البخاري: حدثنا إبراهيم، حدثنا هشام، عن ابن جريج، وقال عطاء، عن ابن عباس: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد: أما وَد: فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع: فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غُطَيف بالجُرُف عند سبأ، أما يعوقُ: فكانت لهَمْدان، وأما نسر: فكانت لحمير لآل ذي كَلاع، وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح، عليه السلام، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم. ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتَنَسَّخَ العلم عُبِدت
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان دعاء الرسل عليهم الصلاة والسلام جديراً بالقبول لما لهم من الجلالة والحلاوة والبيان والرونق والظهور في الفلاح، أكدوا قولهم: {لا تذرن آلهتكم} أي لا تتركنها على حالة من الحالات لا قبيحة ولا حسنة، وأضافوها إليهم تحسباً فيها، ثم خصوا بالتسمية زيادة في الحث وتصريحاً بالمقصود فقالوا مكررين النهي والعامل تأكيداً: {ولا تذرن} ولعلهم كانوا يوافقون العرب في أن الود هو الحب الكثير، فناسب المقام بذاتهم بقوله: {وداً} وأعادوا النافي تأكيداً فقالوا: {ولا سواعاً} وأكدوا هذا التأكيد وأبلغوا فيه فقالوا: {ولا يغوث} ولما بلغ التأكيد نهاية وعلم أن المقصود النهي عن كل فرد فرد لا عن المجموع بقيد الجمع أعروا فقالوا: {ويعوق ونسراً *} معرى عن التأكيد للعلم بإرادته... وكانت عبادة هؤلاء أول عبادة الأوثان، فأرسل الله سبحانه وتعالى نوحاً عليه الصلاة والسلام للنهي عن ذلك إلى أن كان من أمره وأمر قومه ما هو معلوم، ثم أخرج إبليس هذه الأصنام بعد الطوفان فوصل شرها إلى العرب.
قال ابن عباس وغيره : هي أصنام وصور ، كان قوم نوح يعبدونها ثم عبدتها العرب وهذا قول الجمهور . وقيل : إنها للعرب لم يعبدها غيرهم . وكانت أكبر أصنامهم وأعظمها عندهم ؛ فلذلك خصوها بالذكر بعد قوله تعالى : " لا تذرن آلهتكم " . ويكون معنى الكلام كما قال قوم نوح لأتباعهم : " لا تذرن آلهتكم " قالت العرب لأولادهم وقومهم : لا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا ، ثم عاد بالذكر بعد ذلك إلى قوم نوح عليه السلام . وعلى القول الأول ، الكلام كله منسوق في قوم نوح . وقال عروة بن الزبير وغيره : اشتكى آدم عليه السلام وعنده بنوه : ود ، وسواع ، ويغوث ، ويعوق ، ونسر . وكان ود أكبرهم وأبرهم به . قال محمد بن كعب : كان لآدم عليه السلام خمس بنين : ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، وكانوا عبادا فمات واحد منهم فحزنوا عليه ، فقال الشيطان : أنا أصور لكم مثله إذا نظرتم إليه ذكرتموه . قالوا : أفعل . فصوره في المسجد من صفر ورصاص . ثم مات آخر ، فصوره حتى ماتوا كلهم فصورهم . وتنقصت الأشياء كما تتنقص اليوم إلى أن تركوا عبادة الله تعالى بعد حين . فقال لهم الشيطان : مالكم لا تعبدون شيئا ؟ قالوا : وما نعبد ؟ قال : آلهتكم وآلهة آبائكم ، ألا ترون في مصلاكم . فعبدوها من دون الله ، حتى بعث الله نوحا فقالوا : { لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا " الآية . وقال محمد بن كعب أيضا ومحمد بن قيس : بل كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح ، وكان لهم تبع يقتدون بهم ، فلما ماتوا زين لهم إبليس أن يصوروا صورهم ليتذكروا بها اجتهادهم ، وليتسلوا بالنظر إليها ، فصورهم . فلما ماتوا هم وجاء آخرون قالوا : ليت شعرنا هذه الصور ما كان آباؤنا يصنعون بها ؟ فجاءهم الشيطان فقال : كان آباؤكم يعبدونها فترحمهم وتسقيهم المطر . فعبدوها فابتدئ عبادة الأوثان من ذلك الوقت .
قلت : وبهذا المعنى فسر ما جاء في صحيح مسلم من حديث عائشة : أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينَها{[15395]} بالحبشة تسمى مارية ، فيها تصاوير لرسول{[15396]} الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة ) . وذكر الثعلبي عن ابن عباس قال : هذه الأصنام أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن أنصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم تذكروهم بها ، ففعلوا ، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت من دون الله . وذكر أيضا عن ابن عباس : أن نوحا عليه السلام ، كان يحرس جسد آدم عليه السلام على جبل بالهند ، فيمنع الكافرين أن يطوفوا بقبره ، فقال لهم الشيطان : إن هؤلاء يفخرون عليكم ويزعمون أنهم بنو آدم دونكم ، وإنما هو جسد ، وأنا أصور لكم مثله تطوفون به ، فصور لهم هذه الأصنام الخمسة وحملهم على عبادتها . فلما كان أيام الطوفان دفنها الطين والتراب والماء ، فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب . قال الماوردي : فأما ود فهو أول صنم معبود ، سمي ودا لودهم له ، وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل ، في قول ابن عباس وعطاء ومقاتل . وفيه يقول شاعرهم :
حياك وَدُّ فإنّا لا يحل لنا لَهْوُ *** النساء وإن الدِّين قد عَزَمَا
وأما سواع فكان لهذيل بساحل البحر ، في قولهم .
وأما يغوث فكان لغطيف من مراد بالجوف من سبأ ، في قول قتادة . وقال المهدوي . لمراد ثم لغطفان . الثعلبي : وأخذت أعلى وأنعم - وهما من طيء - وأهل جُرَش من مذحج يغوث فذهبوا به إلى مراد فعبدوه زمانا . ثم إن بني ناجية أرادوا نزعه من أعلى{[15397]} وأنعم ، ففروا به إلى الحصين أخي بن الحارث بن كعب من خزاعة . وقال أبو عثمان النهدي : رأيت يغوث وكان من رصاص ، وكانوا يحملونه على جمل أحرد{[15398]} ، ويسيرون معه ولا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك ، فإذا برك نزلوا وقالوا : قد رضي لكم المنزل ، فيضربون عليه بناء ينزلون حوله .
وأما يعوق فكان لهمدان ببلخع{[15399]} ، في قول عكرمة وقتادة وعطاء . ذكره الماوردي . وقال الثعلبي : وأما يعوق فكان لكهلان من سبأ ، ثم توارثه بنوه ؛ الأكبر فالأكبر حتى صار إلى همدان . وفيه يقول مالك بن نمط الهمداني :
يَرِيشُ الله في الدنيا ويَبْري *** ولا يَبْرِي يعوقُ ولا يَرِيشُ
وأما نسر فكان لذي الكلاع من حمير ، في قول قتادة ، ونحوه عن مقاتل . وقال الواقدي : كان ود على صورة رجل ، وسواع على صورة امرأة ، ويغوث على صورة أسد ، ويعوق على صورة فرس ، ونسر على صورة نسر من الطير ، فالله أعلم . وقرأ نافع " ولا تذرن ودا " بضم الواو . وفتحها الباقون . قال الليث : ود ( بفتح الواو ) صنم كان لقوم نوح . وود ( بالضم ) صنم لقريش ، وبه سمي عمرو بن ود . وفي الصحاح : والود ( بالفتح ) الوتد في لغة أهل ، نجد ، كأنهم سكنوا التاء وأدغموها في الدال . والود في قول امرئ القيس :
تظهر الود إذا ما أَشْجَذَتْ *** وتُوارِيه إذا ما تَعْتَكِرْ{[15400]}
قال ابن دريد : هو اسم جبل : وود صنم كان لقوم نوح عليه السلام ثم صار لكلب وكان بدومة الجندل ، ومنه سموه عبد ود وقال : " لا تذرن آلهتكم " ثم قال : " ولا تذرون ودا ولا سواعا " الآية . خصها بالذكر ؛ لقوله تعالى : " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح{[15401]} " [ الأحزاب : 7 ] .
{ وقالوا } أي لهم في أداني{[68786]} المكر الذي حصل منهم{[68787]} .
ولما كان دعاء الرسل عليهم الصلاة والسلام جديراً{[68788]} بالقبول لما لهم من الجلالة والحلاوة والبيان والرونق والظهور في الفلاح ، أكدوا قولهم : { لا تذرن آلهتكم } أي لا تتركنها {[68789]}على{[68790]} حالة من الحالات لا قبيحة ولا حسنة ، وأضافوها إليهم تحسباً فيها ، ثم خصوا بالتسمية زيادة في الحث وتصريحاً بالمقصود فقالوا مكررين النهي والعامل تأكيداً : { ولا تذرن } ولعلهم كانوا يوافقون العرب في أن الود هو الحب الكثير ، فناسب المقام بذاتهم بقوله : { وداً } وأعادوا النافي{[68791]} تأكيداً فقالوا{[68792]} : { ولا سواعاً * } وأكدوا هذا التأكيد وأبلغوا{[68793]} فيه فقالوا : { ولا يغوث } ولما بلغ التأكيد نهاية وعلم أن المقصود{[68794]} النهي عن كل فرد فرد لا عن المجموع بقيد الجمع أعروا فقالوا : { ويعوق ونسراً * } معرى عن{[68795]} التأكيد للعلم بإرادته ، وكان هؤلاء ناساً صالحين ، فلما ماتوا حزن عليهم الناس ثم زين لهم إبليس تصويرهم تشويقاً إلى العمل بطرائقهم الحسنة{[68796]} فصوروهم ، فلما تمادى الزمان زين لهم عبادتهم لتحصيل المنافع الدنيوية ببركاتهم ثم نسي القوم الصالحون ، وجعلوا أصناماً آلهة من دون الله ، وكانت عبادة هؤلاء أول عبادة الأوثان{[68797]} فأرسل الله سبحانه وتعالى نوحاً عليه الصلاة والسلام للنهي عن ذلك إلى أن كان من أمره وأمر قومه{[68798]} ما هو معلوم ، ثم أخرج إبليس هذه الأصنام بعد الطوفان فوصل شرها إلى العرب ، {[68799]}فكان ود{[68800]} لكلب بدومة الجندل وسواع لهذيل ويغوث لمذحج ويعوق لمراد ونسر لحمير لآل ذي الكلاع ، وقيل غير ذلك - {[68801]}والله أعلم{[68802]} قال البغوي{[68803]} : سواع لهذيل ويغوث لمراد ، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ ويعوق لهمذان{[68804]} . قال أبو حيان{[68805]} : قال أبو عثمان النهدي{[68806]} : رأيت يغوث وكان من رصاص يحمل على جمل {[68807]}أجرد ، يسيرون معه لا يهيجونه{[68808]} حتى يكون هو الذي يبرك ، فإذا برك نزلوا وقالوا : قد رضي لكم المنزل ، فينزلون حوله ويضربون عليه بناء{[68809]} ، وروي عن ابن عباس{[68810]} رضي الله عنهما في سبب وصول شر تلك الأوثان إلى العرب أنها دفنها الطوفان ثم أخرجها الشيطان لمشركي العرب ، وكانت للعرب أصنام أخر فاللات لثقيف ، والعزى{[68811]} لسليم وغطفان وجشيم ، ومنات بقديد لهذيل ، وإساف ونايلة وهبل لأهل مكة ، وكان إساف حيال الحجر الأسود ، ونايلة حيال الركن اليماني ، وكان هبل في جوف الكعبة - انتهى{[68812]} ، وقال الواقدي : ود على صورة رجل ، وسواع على صورة امرأة ، و{[68813]}يغوث على صورة أسد ، ويعوق على صورة فرس ، ونسر على صورة نسر - انتهى .
ولا يعارض هذا{[68814]} أنهم صور{[68815]} لناس صالحين لأن تصويرهم لهم يمكن أن يكون منتزعاً من معانيهم ، فكأن وداً كان أكملهم في الرجولية ، وكانت سواع امرأة كاملة في العبادة ، وكان يغوث شجاعاً ، ويعوق كان سابقاً قوياً ، وكان نسر عظيماً طويل{[68816]} العمر - والله تعالى أعلم .
قوله : { وقالوا لا تذرنّ آلهتكم } قال الرؤساء والكبراء المتبوعون لعامة الناس وهم التابعون : لا تتركوا عبادة آلهتكم الأصنام { ولا تذرنّ ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا } وهذا من باب عطف الخاص على العام . فهذه أسماء لأصنام كانوا يعبدونها من دون الله . فقد روى البخاري عن ابن عباس قال : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح ، في العرب بعد . أما ودّ ، فكانت لكلب بدومة الجندل . وأما سواع ، فكانت لهذيل . وأما يغوث ، فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ . وأما يعوق فكانت لهمدان . وأما نشر ، فكانت لحمير ، لآل ذي كلاع وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت .
أما ، ود فهو صنم على صورة رجل . وأما سواع فهو على صورة امرأة . وأما يغوت ، فهو على صورة أسد . وأما يعوق فهو على صورة فرس . وأما نسر ، فهو على صورة نسر . فهذه الأصنام الخمسة كانت أكبر أصنامهم وأعظمها عندهم فخصوها بعد العموم .