ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسراً : أسماء أصنام أعلام لها اتخذها قوم نوح عليه السلام آلهة .
{ وقالوا } : أي كبراؤهم لأتباعهم ، أو قالوا ، أي جميعهم بعضهم لبعض ، { لا تذرن } : لا تتركن ، { آلهتكم } : أي أصنامكم ، وهو عام في جميع أصنامهم ، ثم خصبوا بعد أكابر أصنامهم ، وهو ودّ وما عطف عليه ؛ وروي أنها أسماء رجال صالحين كانوا في صدر الزمان .
قال عروة بن الزبير : كانوا بني آدم ، وكان ودّاً أكبرهم وأبرهم به .
وقال محمد بن كعب ومحمد بن قيس : كانوا بني آدم ونوح عليهما السلام ، ماتوا فصورت أشكالهم لتذكر أفعالهم الصالحة ، ثم هلك من صورهم وخلف من يعظمها ، ثم كذلك حتى عبدت .
قيل : ثم انتقلت تلك الأصنام بأعيانها .
وقيل : بل الأسماء فقط إلى قبائل من العرب .
فكان ودّ لكلب بدومة الجندل ؛ وسواع لهذيل ، وقيل : لهمدان ؛ ويغوث لمراد ، وقيل : لمذحج ؛ ويعوق لهمدان ، وقيل : لمراد ؛ ونسر لحمير ، وقيل : لذي الكلاع من حمير ؛ ولذلك سمت العرب بعبد ودّ وعبد يغوث ؛ وما وقع من هذا الخلاف في سواع ويغوث ويعوق يمكن أن يكون لكل واحد منهما صنم يسمى بهذا الاسم ، إذ يبعد بقاء أعيان تلك الأصنام ، فإنما بقيت الأسماء فسموا أصنامهم بها .
قال أبو عثمان النهدي : رأيت يغوث ، وكان من رصاص ، يحمل على جمل أجرد يسيرون معه لا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك ، فإذا برك نزلوا وقالوا : قد رضي لكم المنزل ، فينزلون حوله ويضربون له بناء . انتهى .
وقال الثعلبي : كان يغوث لكهلان من سبأ ، يتوارثونه حتى صار في همدان ، وفيه يقول مالك بن نمط الهمداني :
يريش الله في الدنيا ويبري *** ولا يبري يغوث ولا يريش
وقال الماوردي : ود اسم صنم معبود .
وقيل : كان ود على صورة رجل ، وسواع على صورة امرأة ، ويغوث على صورة أسد ، ويعوق على صورة فرس ، ونسر على صورة نسر ، وهذا مناف لما تقدم من أنهم صوروا صور ناس صالحين .
وقرأ نافع وأبو جعفر وشيبة ، بخلاف عنهم : وداً ، بضم الواو ؛ والحسن والأعمش وطلحة وباقي السبعة : بفتحها ، قال الشاعر :
حياك ودّ فإنا لا يحل لنا *** لهو النساء وأن الدين قد عزما
فحياك ودّ من هداك لعسه *** وخوص باعلا ذي فضالة هجه
وقرأ الجمهور : { ولا يغوث ويعوق } بغير تنوين ، فإن كانا عربيين ، فمنع الصرف للعلمية ووزن الفعل ، وإن كانا عجميين ، فللعجمة والعلمية .
وقرأ الأشهب : ولا يغوثا ويعوقا بتنوينهما .
قال صاحب اللوامح : جعلهما فعولاً ، فلذلك صرفهما .
فأما في العامة فإنهما صفتان من الغوث والعوق بفعل منهما ، وهما معرفتان ، فلذلك منع الصرف لاجتماع الفعلين اللذين هما تعريف ومشابهة الفعل المستقبل .
أما أولاً ، فلا يمكن أن يكونا فعولاً ، لأن مادة يغث مفقودة وكذلك يعق ؛ وأما ثانياً ، فليسا بصفتين من الغوث والعوق ، لأن يفعلا لم يجىء اسماً ولا صفة ، وإنما امتنعا من الصرف لما ذكرناه .
وقال ابن عطية : وقرأ الأعمش : ولا يغوثا ويعوقا بالصرف ، وذلك وهم لأن التعريف لازم ووزن الفعل . انتهى .
وليس ذلك بوهم ، ولم ينفرد الأعمش بذلك ، بل قد وافقه الأشهب العقيلي على ذلك ، وتخريجه على أحد الوجهين ، أحدهما : أنه جاء على لغة من يصرف جميع ما لا ينصرف عند عامة العرب ، وذلك لغة وقد حكاها الكسائي وغيره ؛ والثاني : أنه صرف لمناسبة ما قبله وما بعده من المنون ، إذ قبله { وداً ولا سواعاً } ، وبعده { ونسراً } ، كما قالوا في صرف { سلاسلاً } و { قواريرا قواريرا } لمن صرف ذلك للمناسبة .
وقال الزمخشري : وهذه قراءة مشكلة ، لأنهما إن كانا عربيين أو أعجميين ففيهما منع الصرف ، ولعله قصد الازدواج فصرفهما لمصادفته أخواتهما منصرفات { وداً ويعوق ونسراً } ، كما قرىء : { وضحاها } بالإمالة لوقوعه مع الممالات للازدواج . انتهى .
وكان الزمخشري لو يدر أن ثم لغة لبعض العرب تصرف كل ما لا ينصرف عند عامتهم ، فلذلك استشكلها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.