نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا} (23)

{ وقالوا } أي لهم في أداني{[68786]} المكر الذي حصل منهم{[68787]} .

ولما كان دعاء الرسل عليهم الصلاة والسلام جديراً{[68788]} بالقبول لما لهم من الجلالة والحلاوة والبيان والرونق والظهور في الفلاح ، أكدوا قولهم : { لا تذرن آلهتكم } أي لا تتركنها {[68789]}على{[68790]} حالة من الحالات لا قبيحة ولا حسنة ، وأضافوها إليهم تحسباً فيها ، ثم خصوا بالتسمية زيادة في الحث وتصريحاً بالمقصود فقالوا مكررين النهي والعامل تأكيداً : { ولا تذرن } ولعلهم كانوا يوافقون العرب في أن الود هو الحب الكثير ، فناسب المقام بذاتهم بقوله : { وداً } وأعادوا النافي{[68791]} تأكيداً فقالوا{[68792]} : { ولا سواعاً * } وأكدوا هذا التأكيد وأبلغوا{[68793]} فيه فقالوا : { ولا يغوث } ولما بلغ التأكيد نهاية وعلم أن المقصود{[68794]} النهي عن كل فرد فرد لا عن المجموع بقيد الجمع أعروا فقالوا : { ويعوق ونسراً * } معرى عن{[68795]} التأكيد للعلم بإرادته ، وكان هؤلاء ناساً صالحين ، فلما ماتوا حزن عليهم الناس ثم زين لهم إبليس تصويرهم تشويقاً إلى العمل بطرائقهم الحسنة{[68796]} فصوروهم ، فلما تمادى الزمان زين لهم عبادتهم لتحصيل المنافع الدنيوية ببركاتهم ثم نسي القوم الصالحون ، وجعلوا أصناماً آلهة من دون الله ، وكانت عبادة هؤلاء أول عبادة الأوثان{[68797]} فأرسل الله سبحانه وتعالى نوحاً عليه الصلاة والسلام للنهي عن ذلك إلى أن كان من أمره وأمر قومه{[68798]} ما هو معلوم ، ثم أخرج إبليس هذه الأصنام بعد الطوفان فوصل شرها إلى العرب ، {[68799]}فكان ود{[68800]} لكلب بدومة الجندل وسواع لهذيل ويغوث لمذحج ويعوق لمراد ونسر لحمير لآل ذي الكلاع ، وقيل غير ذلك - {[68801]}والله أعلم{[68802]} قال البغوي{[68803]} : سواع لهذيل ويغوث لمراد ، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ ويعوق لهمذان{[68804]} . قال أبو حيان{[68805]} : قال أبو عثمان النهدي{[68806]} : رأيت يغوث وكان من رصاص يحمل على جمل {[68807]}أجرد ، يسيرون معه لا يهيجونه{[68808]} حتى يكون هو الذي يبرك ، فإذا برك نزلوا وقالوا : قد رضي لكم المنزل ، فينزلون حوله ويضربون عليه بناء{[68809]} ، وروي عن ابن عباس{[68810]} رضي الله عنهما في سبب وصول شر تلك الأوثان إلى العرب أنها دفنها الطوفان ثم أخرجها الشيطان لمشركي العرب ، وكانت للعرب أصنام أخر فاللات لثقيف ، والعزى{[68811]} لسليم وغطفان وجشيم ، ومنات بقديد لهذيل ، وإساف ونايلة وهبل لأهل مكة ، وكان إساف حيال الحجر الأسود ، ونايلة حيال الركن اليماني ، وكان هبل في جوف الكعبة - انتهى{[68812]} ، وقال الواقدي : ود على صورة رجل ، وسواع على صورة امرأة ، و{[68813]}يغوث على صورة أسد ، ويعوق على صورة فرس ، ونسر على صورة نسر - انتهى .

ولا يعارض هذا{[68814]} أنهم صور{[68815]} لناس صالحين لأن تصويرهم لهم يمكن أن يكون منتزعاً من معانيهم ، فكأن وداً كان أكملهم في الرجولية ، وكانت سواع امرأة كاملة في العبادة ، وكان يغوث شجاعاً ، ويعوق كان سابقاً قوياً ، وكان نسر عظيماً طويل{[68816]} العمر - والله تعالى أعلم .


[68786]:- من ظ وم، وفي الأصل: أدنى.
[68787]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[68788]:- من ظ وم، وفي الأصل: جديره.
[68789]:- من ظ وم، وفي الأصل: لا تتركوها.
[68790]:- زيد في الأصل: أي، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[68791]:- زيد في الأصل: في، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[68792]:- من ظ وم، وفي الأصل: بقولهم.
[68793]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالغوا.
[68794]:- في ظ وم: القصد.
[68795]:- في م: من.
[68796]:- زيد في الأصل: قال، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[68797]:- من ظ وم، وفي الأصل: الأوقات.
[68798]:- زيد في الأصل: ما كان و، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[68799]:- من ظ وم، وفي الأصل: فكان- مع يسير من البياض، وراجع المعالم 7/ 129.
[68800]:- من ظ وم، وفي الأصل: فكان- مع يسير من البياض، وراجع المعالم 7/ 129.
[68801]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[68802]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[68803]:- في المعالم 7/ 129.
[68804]:- زيد في الأصل: والله أعلم، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[68805]:- راجع البحر المحيط 8/ 341، وزيد في الأصل: قالوا: ولم تكن الزيادة في و م والبحر فحذفناها.
[68806]:- من ظ وم والبحر، وفي الأصل: الهندي.
[68807]:- من البحر، وفي الأصل: أحمر ولا يهجونه ويسيرون معه.
[68808]:- من البحر، وفي الأصل: أحمر ولا يهجونه ويسيرون معه.
[68809]:- زيد في الأصل: والله أعلم بالصواب، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[68810]:- راجع روح المعاني 9/ 181.
[68811]:- من ظ وم، وفي الأصل: اللات.
[68812]:- سقط من م.
[68813]:- زيد من ظ وم.
[68814]:- زيد من ظ وم.
[68815]:- من ظ وم، وفي الأصل: صورة.
[68816]:- من ظ وم، وفي الأصل: طويلا.