الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا} (23)

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس { ولا تذرن ودّاً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً } قال : هذه أصنام كانت تعبد في زمن نوح .

وأخرج البخاري وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال : صارت الأصنام والأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد ، أما ودّ فكانت لكلب بدومة الجندل ، وأما سواع فكانت لهذيل ، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف عند سبأ وأما يعوق فكانت لهمدان ، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع ، وكانوا أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم ، ففعلوا فلم تعبد حتى إذ هلك أولئك ونسخ العلم عبدت .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة قال : اشتكى آدم عليه السلام وعنده بنوه ود ويغوث ويعوق وسراع ونسر ، وكان ود أكبرهم وأبرّهم به .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن أبي عثمان قال : رأيت يغوث صنماً من رصاص يحمل على جمل أجرد ، فإذا برك قالوا : قد رضي ربكم هذا المنزل .

وأخرج الفاكهي عن عبيد الله بن عبيد بن عمير قال : أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح وكانت الأبناء تبرّ الآباء فمات رجل منهم فجزع عليه فجعل لا يصبر عنه فاتخذ مثالاً على صورته ، فكلما اشتاق إليه نظره ، ثم مات ففعل به كما فعل ، ثم تتابعوا على ذلك ، فمات الآباء ، فقال الأبناء : ما اتخذ هذه آباؤنا إلا أنها كانت آلهتهم فعبدوها .

وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن كعب رضي الله عنه في قوله : { ولا يغوث ويعوق ونسراً وقد أضلوا كثيراً } قال : كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح فنشأ قوم بعدهم يأخذون كأخذهم في العبادة ، فقال لهم إبليس : لو صوّرتم صورهم فكنتم تنظرون إليهم ، فصوروا ثم ماتوا فنشأ قوم بعدهم ، فقال لهم إبليس : إن الذين كانوا من قبلكم كانوا يعبدوها .

وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن محمد بن كعب القرظي قال : كان لآدم خمسة بنين ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، فكانوا عبّاداً فمات رجل منهم ، فحزنوا عليه حزناً شديداً ، فجاءهم الشيطان ، فقال : حزنتم على صاحبكم هذا ؟ قالوا : نعم ، قال : هل لكم أن أصوّر لكم مثله في قبلتكم إذا نظرتم إليه ذكرتموه ؟ قالوا : لا نكره أن تجعل لنا في قبلتنا شيئاً نصلي إليه . قال : فأجعله في مؤخر المسجد . قالوا : نعم فصوّره لهم حتى مات خمستهم فصوّر صورهم في مؤخر المسجد وأخرج الأشياء حتى تركوا عبادة الله وعبدوا هؤلاء ، فبعث الله نوحاً فقالوا : { لا تذرن وداً } إلى آخر الآية .

وأخرج عبد بن حميد عن أبي مطهر قال : ذكروا عند أبي جعفر يزيد بن المهلب فقال : إما أنه قتل في أول أرض عبد فيها غير الله ، ثم ذكر وداً قال : وكان ود رجلاً مسلماً وكان محبباً في قومه ، فلما مات عسكروا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه ، فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان ثم قال : أرى جزعكم على هذا فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به ؟ قالوا : نعم ، فصوّر لهم مثله ، فوضعوه في ناديهم وجعلوا يذكرونه ، فلما رأى ما بهم من ذكره قال : هل لكم أن أجعل لكم في منزل كل رجل منكم تمثالاً مثله فيكون في بيته فتذكرونه ؟ قالوا : نعم ، فصوّر لكل أهل بيت تمثالاً مثله فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به . قال : وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذوه إلهاً يعبدونه من دون الله . قال : وكان أول ما عبد غير الله في الأرض ود الصنم الذي سموه بود .

وأخرج عبد بن حميد عن السدي سمع مرة يقول في قول الله : { ولا يغوث ويعوق ونسراً } قال : أسماء آلهتهم .

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ { وولده } بنصب الواو { ولا تذرن وداً } بنصب الواو { ولا سواعاً } برفع السين .

وأخرج ابن عساكر عن أبي أمامة قال : لم ينحسر أحد من الخلائق كحسرة آدم ونوح ، فأما حسرة آدم فحين أخرج من الجنة ، وأما حسرة نوح فحين دعا على قومه فلم يبق شيء إلا غرق إلا ما كان معه في السفينة ، فلما رأى الله حزنه أوحى إليه يا نوح لا تتحسر فإن دعوتك وافقت قدري .