الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا} (23)

قوله : { وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً } : يجوزُ أَنْ يكونَ مِنْ عَطْفِ الخاص على العام إنْ قيل : إنَّ هذه الأسماءَ لأصنامٍ ، وأن لا يكونَ إنْ قيل : إنها أسماءُ رجالٍ صالحينَ على ما ذُكر في التفسير . وقرأ نافع " وُدّاً " بضم الواوِ ، والباقون بفتحها ، وأُنْشِدَ بالوَجْهَيْن قولُ الشاعر :

حَيَّاكَ وَدٌّ فإنَّا لا يَحِلُّ لنا *** لَهْوُ النساءِ وإنَّ الدين قد عزما

وقول الآخر :

فحيَّاكِ وَدٌّ مِنْ هُداكِ لفِتْيَةٍ *** وخُوْصٍ بأعلى ذي فُضالةَ مُنْجِدِ

قوله : { وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ } قرأهما العامَّةُ بغير تنوين . فإن كانا عربيَّيْن فالمنعُ من الصَرْف للعلميَّةِ والوزن ، وإن كانا أعجميَّيْن فللعلميَّةِ والعُجْمة . وقرأ الأعمش : " ولا يَغُوْثاً ويَعُوْقاً " مصورفَيْن . قال ابن عطية : " وذلك وهمٌ : لأنَّ التعريفَ لازمٌ ووزنَ الفعل " انتهى . وليس بوهمٍ لأمرَيْن ، أحدهما : أنه صَرَفَهما للتناسُبِ ، إذ قبله اسمان منصرفان ، وبعده اسمٌ منصرفٌ ، كما صُرِفَ " سلاسل " . والثاني : أنه جاء على لغةِ مَنْ يَصْرِفُ غيرَ المنصرِف مطلقاً . وهي لغةٌ حكاها الكسائيُّ .

ونقل أبو الفضل الصَّرْفَ فيهما عن الأشهبِ العُقَيْليِّ ثم قال : " جَعَلهما فَعُولاً ؛ فلذلك صرفهما ، فأمَّا في العامَّة فإنهما صفتان من الغَوْث والعَوْق " . قلت : وهذا كلامٌ مُشْكِلٌ . أمَّا قولُه : " فَعُولاً " فليس بصحيحٍ ، إذ مادةُ " يغث " و " يعق " مفقودةٌ . وأمَّا قولُه : " صفتان من الغَوْث والعَوْق " فليس في الصفاتِ ولا في الأسماءِ " يَفْعُل " والصحيحُ ما قَدَّمْتُه . وقال الزمخشري : " وهذه قراءةٌ مُشْكِلة ؛ لأنهما إنْ كانا عربيَّيْنِ أو أعجميَّيْنِ ففيهما مَنْعُ الصَّرْفِ ، ولعله قَصَدَ الازدواجَ فصرَفهما . لمصادفتِه أخواتِهما منصرفاتٍ : وَدَّاً وسُوعاً ونَسْراً " . قال الشيخ : " كأنه لم يَطَّلعْ على أنَّ صَرْفَ ما لا ينصرفُ لغةٌ " .