فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقَالُواْ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا} (23)

{ وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ ءالِهَتَكُمْ } أي لا تتركوا عبادة إلهتكم ، وهي الأصنام والصور التي كانت لهم ، ثم عبدتها العرب من بعدهم ، وبهذا قال الجمهور . { وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } أي لا تتركوا عبادة هذه . قال محمد بن كعب : هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح ، فنشأ بعدهم قوم يقتدون بهم في العبادة ، فقال لهم إبليس : لو صوّرتم صورهم كان أنشط لكم وأسوق إلى العبادة ، ففعلوا ، ثم نشأ قوم من بعدهم ، فقال لهم إبليس : إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فاعبدوهم ، فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك الوقت ، وسميت هذه الصور بهذه الأسماء ، لأنهم صوّروها على صورة أولئك القوم . وقال عروة بن الزبير وغيره : إن هذه كانت أسماء لأولاد آدم ، وكان ودّ أكبرهم . قال الماوردي : فأما ودّ ، فهو أوّل صنم معبود ، سمي ودّاً لودّهم له ، وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل في قول ابن عباس وعطاء ومقاتل وفيه يقول شاعرهم :

حياك ودّ فإنا لا يحل لنا *** لهو النساء وإن الدين قد غربا

وأما سواع فكان لهذيل بساحل البحر ، وأما يغوث فكان لغطيف من مراد بالجرف من سبأ في قول قتادة . وقال المهدوي : لمراد ثم لغطفان ، وأما يعوق فكان لهمدان في قول قتادة ، وعكرمة ، وعطاء . وقال الثعلبي : كان لكهلان بن سبأ ، ثم توارثوه حتى صار في همدان ، وفيه يقول مالك بن نمط الهمداني :

يريش الله في الدنيا ويبري *** ولا يبري يعوق ولا يريش

وأما نسر فكان لذي الكلاع من حمير في قول قتادة ، ومقاتل . قرأ الجمهور : { وَدّاً } بفتح الواو . وقرأ نافع بضمها . قال الليث : ودّ بضم الواو صنم لقريش ، وبفتحها صنم كان لقوم نوح ، وبه سمي عمرو بن ودّ . قال في الصحاح . والودّ بالفتح : الوتد في لغة أهل نجد كأنهم سكنوا التاء وأدغموها في الدال . وقرأ الجمهور : { ولا يغوث ويعقوق } بغير تنوين ، فإن كانا عربيين ، فالمنع من الصرف للعلمية ووزن الفعل ، وإن كانا عجميين ، فللعجمة والعلمية . وقرأ الأعمش : { ولا يغوثا ويعوقا } بالصرف . قال ابن عطية : وذلك وهم . ووجه تخصيص هذه الأصنام بالذكر مع دخولها تحت الآلهة ، لأنها كانت أكبر أصنامهم وأعظمها .

/خ28