في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ} (4)

والآية الثالثة تشير إلى الموضوع المباشر الذي قالوا فيه ما لم يفعلوا . . وهو الجهاد . . وتقرر ما يحبه الله فيه ويرضاه :

( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) . .

فليس هو مجرد القتال . ولكنه هو القتال في سبيله . والقتال في تضامن مع الجماعة المسلمة داخل الصف . والقتال في ثبات وصمود ( صفا كأنهم بنيان مرصوص ) . .

إن القرآن - كما قلنا في مناسبات متعددة في هذا الجزء - كان يبني أمة . كان يبنيها لتقوم على أمانة دينه في الأرض ، ومنهجه في الحياة ، ونظامه في الناس . ولم يكن بد أن يبني نفوسها أفرادا ويبنيها جماعة ، ويبنيها عملا واقعا . . كلها في آن واحد . . فالمسلم لا يبنى فردا إلا في جماعة . ولا يتصور الإسلام قائما إلا في محيط جماعة منظمة ذات ارتباط ، وذات نظام ، وذات هدف جماعي منوط في الوقت ذاته بكل فرد فيها . هو إقامة هذا المنهج الإلهي في الضمير وفي العمل مع إقامته في الأرض . وهو لا يقوم في الأرض إلا في مجتمع يعيش ويتحرك ويعمل وينتج في حدود ذلك المنهج الإلهي .

والإسلام على شدة ما عني بالضمير الفردي وبالتبعة الفردية - ليس دين أفراد منعزلين ، كل واحد منهم يعبد الله في صومعة . . إن هذا لا يحقق الإسلام في ضمير الفرد ذاته ، ولا يحققه بطبيعة الحال في حياته . ولم يجئ الإسلام لينعزل هذه العزلة . إنما جاء ليحكم حياة البشرية ويصرفها . ويهيمن على كل نشاط فردي وجماعي في كل اتجاه . والبشرية لا تعيش أفرادا إنما تعيش جماعات وأمما . والإسلام جاء ليحكمها وهي كذلك . وهو مبني على أساس أن البشر يعيشون هكذا . ومن ثم فإن آدابه وقواعده ونظمه كلها مصوغة على هذا الأساس . وحين يوجه اهتمامه إلى ضمير الفرد فهو يصوغ هذا الضمير على أساس أنه يعيش في جماعة . وهو والجماعة التي يعيشون فيها يتجهون إلى الله ، ويقوم - فيها - على أمانة دينه في الأرض ، ومنهجه في الحياة ، ونظامه في الناس .

ومنذ اليوم الأول للدعوة قام مجتمع إسلامي - أو جماعة مسلمة - ذات قيادة مطاعة هي قيادة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وذات التزامات جماعية بين أفرادها ، وذات كيان يميزها عن سائر الجماعات حولها ، وذات آداب تتعلق بضمير الإنسان مراعى فيها - في الوقت ذاته - حياة هذه الجماعة . . وذلك كله قبل أن تقوم الدولة المسلمة في المدينة . بل إن قيام تلك الجماعة كان هو وسيلة إقامة الدولة في المدينة . .

/خ4

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ} (4)

{ إن الله يحب الذين يقاتلون . . . } بيان لما هو مرضي عنده تعالى ، بعد بيان ما هو ممقوت عنده . أي أنه تعالى يرضى عن الذين يقاتلوا في سبيل مرضاته تعالى ، صافين أنفسهم في القتال . أو مصفوفين صفوفا متراصة ؛ كأنهم في التحامهم وتماسكهم واتحادهم لنبان محكم ، لا فرجة فيه ولا خلل ، حتى صار شيئا واحدا ؛ وهذا شأن الصادقين في الجهاد . يقال : رصصت البناء – من باب رد – لا أمت بين أجزائه ، وألزقت بعضها ببعض حتى صار كالقطعة الواحدة ؛ ومنه : التراص للتلاصق .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ} (4)

بنيان مرصوص : بنيان محكم كأنه قطعة واحدة .

ثم مدح الذين صدقوا وقاتلوا في سبيله بعزم وإخلاص فقال : { إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } .

إن الله تعالى يحب النظامَ في كل شيء ، وهو يحبُّ الذين يقاتلون في سبيله منتظمين في أماكنهم كأنهم بنيانٌ متلاحمُ الأجزاء ، كأنه قطعة واحدة ، فالنظام أساسُ بنيان الأمة ، وأن وعدَ الله حقّ ، وقد وعد المجاهدين بالنصر إذا أخلصوا وصدَقوا وحافظوا على النظام . وقد سبقتنا الأممُ المتحضّرة بالنظام ودقة المحافظة عليه ، في جميع أعمالها .

والجهادُ يبدأ في البيت بالتربية الإسلامية الصحيحة البعيدة عن التزمُّت والتعصب ، وفي المدرسة وفي المزارع والحقول ، والتجارة ، وفي المصانع ، وباكتساب العلوم وإجادتها وإتقان استعمالها كما أتقنها أسلافُنا الأولون . فالصناعة والعلم والزراعة من الأمور الضرورية في حياتنا ، فإذا أتقنّاها باتَ يمكننا أن نجاهدَ جهادا حقيقيا ، فلا جهادَ إلا بعلمٍ وعمل وتصنيع .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ} (4)

{ 4 }{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } هذا حث من الله لعباده على الجهاد في سبيله وتعليم لهم كيف يصنعون وأنه ينبغي [ لهم ] أن يصفوا في الجهاد صفا متراصا متساويا ، من غير خلل يقع{[1070]}  في الصفوف ، وتكون صفوفهم على نظام وترتيب به تحصل المساواة بين المجاهدين والتعاضد وإرهاب العدو وتنشيط بعضهم بعضا ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حضر القتال ، صف أصحابه ، ورتبهم في مواقفهم ، بحيث لا يحصل اتكال بعضهم على بعض ، بل تكون كل طائفة منهم مهتمة بمركزها وقائمة بوظيفتها ، وبهذه الطريقة تتم الأعمال ويحصل الكمال .


[1070]:- في ب: يحصل.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ} (4)

{ إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً } أي يصفون أنفسهم عند القتال صفاً ولا يزاولون عن أماكنهم ، { كأنهم بنيان مرصوص } قد رص بعضه ببعض أي ألزق بعضه ببعض وأحكم فليس فيه فرجة ولا خلل ، وقيل : أحكم بالرصاص .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ} (4)

ولما عظم ما يكرهه بعد ما ألهب به من تنزيه غير العاقل ، فكان العاقل جديراً بأن يسأل عما يحبه لينزهه به ، قال {[64835]}ذاكراً الغاية{[64836]} التي هي أم{[64837]} جامعة لكل{[64838]} ما قبلها من المحاسن ، مؤكداً لأن الخطاب مع من قصر أو هو{[64839]} في حكمه : { إن الله } أي الذي له جميع صفات الكمال { يحب } أي يفعل فعل المحب مع { الذين يقاتلون } أي{[64840]} يوقعون القتال { في سبيله } أي بسبب تسهيل طريقه الموصلة إلى رضاه إيقاعاً مظروفاً للسبيل ، لا يكون شيء منه كشيء{[64841]} خارج عنه ، فيقاتلون أعداء الدين من الشيطان بالذكر القلبي واللسان ، والإنسان بالسيف والسنان { صفاً } أي مصطفين حتى كأنهم في اتحاد المراد على قلب واحد كما كانوا في التساوي في الاصطفاف كالبدن الواحد .

ولما كان الاصطفاف يصدق مع التقدم والتأخر اليسير نفى ذلك بقوله حالاً بعد حال : { كأنهم } أي من شدة التراص{[64842]} والمساواة بالصدور والمناكب والثبات في{[64843]} المراكز { بنيان } وزاد في التأكيد بقوله : { مرصوص * } أي عظيم الاتصال شديد الاستحكام كأنما رص بالرصاص فلا فرجة فيه ولا خلل ، فإن من كان هكذا كان جديراً بأن لا يخالف شيء من أفعاله شيئاً من أقواله ، فالرص إشارة إلى اتحاد القلوب والنيات {[64844]}في موالاة{[64845]} الله و{[64846]}معاداة من{[64847]} عاداه المنتج لتسوية الصفوف في الصلاة التي هي محاربة الشيطان ، والحرب {[64848]}التي هي{[64849]} مقارعة حزبه أولى الطغيان ، والأفعال التي هي ثمرات الأبدان .


[64835]:- من م، وفي الأصل وظ: ذكر للغاية.
[64836]:- من م، وفي الأصل وظ: ذكر للغاية.
[64837]:- من ظ وم، وفي الأصل: أمر.
[64838]:- زيد من ظ وم.
[64839]:- زيد من ظ وم.
[64840]:-زيد في الأصل: الذين، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[64841]:- من ظ وم، وفي الأصل: بشى.
[64842]:- من ظ وم، وفي الأصل: المراض.
[64843]:- من ظ وم، وفي الأصل: و.
[64844]:- من ظ وم، وفي الأصل: الموالاة الله.
[64845]:- من ظ وم، وفي الأصل: الموالاة الله.
[64846]:- من ظ وم، وفي الأصل: المعاداة لمن.
[64847]:- من ظ وم، وفي الأصل: المعاداة لمن.
[64848]:- من م، وفي الأصل وظ: الذي هو.
[64849]:- من م، وفي الأصل وظ: الذي هو.