في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (4)

ذلك الافتتاح كان نصيب النبي [ صلى الله عليه وسلم ] خاصة ؛ ثم مضى السياق يصف نعمة الله على المؤمنين بهذا الفتح ، ومس يده لقلوبهم بالسكينة ، و ما ادخره لهم في الآخرة من غفران وفوز ونعيم :

( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ، ولله جنود السماوات والأرض ، وكان الله عليما حكيما . ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار ، خالدين فيها ، ويكفر عنهم سيئاتهم ، وكان ذلك عند الله فوزا عظيما ) . .

والسكينة لفظ معبر مصور ذو ظلال ؛ والسكينة حين ينزلها الله في قلب ، تكون طمأنينة وراحة ، ويقينا وثقة ، ووقارا وثباتا ، وأستسلاما ورضى .

ولقد كانت قلوب المؤمنين في هذا الواقعة تجيش بمشاعر شتى ، وتفور بانفعالات متنوعة . كان فيها الانتظار والتطلع إلى تصديق رؤيا رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بدخول المسجد الحرام ؛ ثم مواجهة موقف قريش وقبول الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] للرجوع عن البيت في هذا العام ، بعد الإحرام ، وبعد إشعار الهدي وتقليده . كان هذا أمرا شاقا على نفوسهم ما في ذلك ريب . وقد روي عن عمر - رصي الله عنه - أنه جاء أبا بكر وهو مهتاج ، فكان مما قال له - غير ما أثبتناه في صلب رواية الحادث - : أوليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ? قال أبو بكر - الموصول القلب بقلب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] الذي ينبض قلبه على دقات قلب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : بلى . أفأخبرك أنك تأتيه العام ? قال : لا . قال : فإنك تأتيه وتطوف به فتركه عمر - رضي الله عنه - إلى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فقال له فيما قال : أو لست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ? قال [ صلى الله عليه وسلم ] : " بلى . أفأخبرتك أنا نأتيه العام ? " قال : لا . قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " فإنك آتيه ومطوف به " . . فهذه صورة مما كان يجيش في القلوب . .

وكان المؤمنون ضيقي الصدور بشروط قريش الأخرى ، من رد من يسلم ويأتي محمدا بغير إذن وليه . ومن حميتهم الجاهلية في رد اسم الرحمن الرحيم . وفي رد صفة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وقد روي أن عليا - رضي الله عنه - أبى أن يمحو هذه الصفة كما طلب سهيل بن عمرو بعد كتابتها ، فمحاها رسول الله بنفسه وهو يقول : " اللهم إنك تعلم أني رسولك " . .

وكانت حميتهم لدينهم وحماستهم للقاء المشركين بالغة ، يبدو هذا في بيعتهم الإجماعية ؛ ثم انتهى الأمر إلى المصالحة والمهادنة والرجوع . فلم يكن هينا على نفوسهم أن تنتهي الأمور إلى ما انتهت اليه . يبدو هذا في تباطئهم في النحر والحلق ، حتى قالها رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ثلاثا . وهم من هم طاعة لأمر رسول الله وامتثالا . كالذي حكاه عنهم لقريش عروة ابن مسعود الثقفي . ولم ينحروا ويحلقوا أو يقصروا إلا حين رأو رسول الله يفعل هذا بنفسه ، فهزتهم هذه الحركة العملية ما لم يهزهم القول ، وثابوا إلى الطاعة كالذي كان في دهشة المأخوذ !

وهم كانوا قد خرجوا من المدينة بنية العمرة ، لا ينوون قتالا ، ولم يستعدوا له نفسيا ولا عمليا . ثم فوجئوا بموقف قريش ، وبما شاع من قتلها لعثمان ، وبإرسال النفر الذين رموا في عسكر المسلمين بالنبل والحجارة . فلما عزم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] على المناجزة وطلب البيعة أعطوها له عن بكرة أبيهم . ولكن هذا لا ينفي موقف المفاجأة على غير ما كانت نفوسهم قد خرجت له . وهو بعض ما كان يجيش في قلوبهم من انفعالات وتأثرات . وهم ألف وأربعمائة وقريش في دارها ، ومن خلفهم الأعراب والمشركون .

وحين يسترجع الإنسان هذه الصور يدرك معنى قوله تعالى : ( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ) . . ويذوق طعم اللفظ وطعم العبارة ، ويتصور الموقف يومئذ ويعيش فيه مع هذه النصوص ، ويحس برد السكينة وسلامها في تلك القلوب .

ولما كان الله يعلم من قلوب المؤمنين يومئذ ، أن ما جاش فيها جاش عن الإيمان ، والحمية الإيمانية لا لأنفسهم ، ولا لجاهلية فيهم . فقد تفضل عليهم بهذه السكينة : ( ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم )والطمأنينة درجة بعد الحمية والحماسة ، فيها الثقة التي لا تقلق ، وفيها الرضى المطمئن باليقين .

ومن ثم يلوح بأن النصر والغلب لم يكن عسيرا ولا بعيدا ، بل كان هينا يسيرا على الله لو اقتضت حكمته يومئذ أن يكون الأمر كما أراده المؤمنون ، فإن لله جنودا لا تحصى ولا تغلب ، تدرك النصر وتحقق الغلب وقتما يشاء : ( ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما ) . . فهي حكمته وهو علمه ، تسير الأمور وفقهما كما يريد .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (4)

{ أنزل السكينة . . . } أوجد الطمأنينة والثبات في قلوبهم بهذا الصلح الذي ترتب عليه الأمن بعد الخوف ؛ " ليزدادوا يقينا على يقينهم . { ولله جنود السموات والأرض } يدبر أمرها كما يشاء ؛ فيسلط بعضها على بعض تارة ، ويوقع بينها السلم والصلح أخرى ؛ حسبما تقتضيه مشيئته . ومن ذلك هذا الصلح العظيم

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (4)

السَّكينة : الطمأنينة والثبات .

إن الله هو الذي أنزل الطمأنينة في قلوب المؤمنين في المواقف الحرجة ووسْط المخاوفِ والشدائد ليزدادوا بها يقيناً ، ولله جنودُ السموات والأرض يدبّر أمرها كما يشاء ، ويسلّطها على من يشاء لتأديبه ، وكان علم الله محيطاً بكل شيء .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (4)

{ 4-6 } { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا * وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }

يخبر تعالى عن منته على المؤمنين بإنزال السكينة في قلوبهم ، وهي السكون والطمأنينة ، والثبات عند نزول المحن المقلقة ، والأمور الصعبة ، التي تشوش القلوب ، وتزعج الألباب ، وتضعف النفوس ، فمن نعمة الله على عبده في هذه الحال أن يثبته ويربط على قلبه ، وينزل عليه السكينة ، ليتلقى هذه المشقات بقلب ثابت ونفس مطمئنة ، فيستعد بذلك لإقامة أمر الله في هذه الحال ، فيزداد بذلك إيمانه ، ويتم إيقانه ، فالصحابة رضي الله عنهم لما جرى ما جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين ، من تلك الشروط التي ظاهرها أنها غضاضة عليهم ، وحط من أقدارهم ، وتلك لا تكاد تصبر عليها النفوس ، فلما صبروا عليها ووطنوا أنفسهم لها ، ازدادوا بذلك إيمانا مع إيمانهم . وقوله : { وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي : جميعها في ملكه ، وتحت تدبيره وقهره ، فلا يظن المشركون أن الله لا ينصر دينه ونبيه ، ولكنه تعالى عليم حكيم ، فتقتضي حكمته المداولة بين الناس في الأيام ، وتأخير نصر المؤمنين إلى وقت آخر .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (4)

{ هو الذي أنزل السكينة } أي : السكون والطمأنينة ، يعني : سكوتهم في صلح الحديبية وتسليهم بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل : معناه الرحمة .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (4)

ولما كان صلى الله عليه وسلم قد أخبر المؤمنين برؤياه أنه يطوف بالكعبة الشريفة ، وعز على العمرة عام الحديبية ، وخرج صلى الله عليه وسلم وخرج معه خلاصة أصحابه ألف وخمسمائة ، فكانوا مؤقنين أنهم يعتمرون في وجههم{[60117]} ذلك ، وقر ذلك{[60118]} في صدورهم وأشربته قلوبهم ، فصار نزعه منها أشق شيء يكون ، قصدهم المشركون بعد أن بركت ناقته وصالحهم صلى الله عليه وسلم على أن يرجع عنهم في ذلك العام ويعتمر في مثل ذلك الوقت من القابل ، وكان ذلك - بل أدنى منه - مزلزلاً للاعتقاد مطرقاً للشيطان الوسوسة في الدين ، وقد كان مثله في الإسراء ولم يكن صلى الله عليه وسلم أخبر بما يوهم في أمره فارتد ناس كثير بسببه ، قال تعالى دالاً على النصر بتثبيت المؤمنين{[60119]} في هذا المحل الضنك إظهاراً لتمام قدرته ولطيف حكمته : { هو } أي وحده { الذي أنزل } في يوم الحديبية { السكينة } أي الثبات على الدين { في قلوب المؤمنين } أي الراسخين في الإيمان وهم أهل الحديبية بعد أن دهمهم فيها ما من شأنه أن يزعج النفوس ويزيغ القلوب من صد الكفار ورجوع الصحابة رضي الله تعالى عنهم دون مقصودهم ، فلم يرجع أحد منهم عن الإيمان بعد أن ماج الناس وزلزلوا حتى عمر رضي الله عنه - مع أنه الفاروق ومع وصفه في الكتب السالفة بأنه قرن من حديد - فما الظن {[60120]}بغيره في فلق{[60121]} نفسه وتزلزل قلبه ، وكان للصديق رضي الله عنه من القدم الثابت والأصل الراسخ ما علم به رضي الله عنه أنه لا يسابق ، ثم ثبتهم الله أجمعين ، قال الرازي : والسكينة الثقة بوعد الله ، والصبر على حكم الله ، بل السكينة ههنا معين بجمع فوزاً وقوة وروحاً ، يسكن إليه الخائف ويتسلى به الحزين ، وأثر هذه السكينة الوقار والخشوع وظهور الحزم في الأمور - انتهى . وكل من رسخ في الإيمان ، له في هذه الآية نصيب {[60122]}جناه دان{[60123]} .

ولما أخبر بما لا-{[60124]} يقدر عليه غيره ، علله بقوله : { ليزدادوا } أي بتصديق الرسول حين قال{[60125]} لهم : إنهم لا بد أن يدخلوا مكة ويطوفوا بالبيت العتيق ، وحلهم الله به من الشبهة {[60126]}بتذكرهم أنه{[60127]} لم يقل لهم : إنهم يدخلون العام { إيماناً } بهذا التصديق بالغيب من أن-{[60128]} صلحهم للكفار ورجوعهم من غير-{[60129]} بلوغ قصدهم هو عين الفتح لترتب الصلح عليه وترتب فشو الإسلام على الصلح كما كشف عنه الوجود بعد ذلك ليقيسوا عليه غيره من الأوامر { مع إيمانهم } الثابت من قبل هذه الواقعة ، قال القشيري رحمه الله : بطلوع أقمار اليقين على نجوم علم اليقين ، ثم بطلوع شمس حق-{[60130]} اليقين على بدر عين اليقين .

ولما كان ربما ظن شقي من أخذ{[60131]} الأمور بالتدريج شيئاً في القدرة قال : { ولله } أي الذي أنزل السكينة عليهم ليكون نصرهم في هذه العمرة بالقوة ثم يكون عن قريب بالفعل والحال أنه له وحده { جنود السماوات والأرض } أي جميعها ، ومنها السكينة ، يدبرهم بلطيف{[60132]} صنعه وعجيب تدبيره{[60133]} ، فلو شاء لنصر المؤمنين الآن بالفعل ، ودمر على أعدائهم بجنود من جنوده أو بغير سبب ، لكنه فعل ذلك ليكون النصر بكم ، فيعلوا أمركم ويعظم أجركم ، ويظهر الصادق في نصره من الكاذب ، فإن الدار دار البلاء ، وبناء المسببات على الأسباب{[60134]} على وجه{[60135]} الأغلب فيه الحكمة ، لا القهر وظهور الكلمة ، فاسمه الباطن هو الظاهر في هذه الدار ، فلذلك ترى المسببات مستورات بأسبابها ، فلا يعلم الحقائق إلا البصراء{[60136]} ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم لما نزلت {[60137]}عليه هذه السورة{[60138]} فتلاها عليه قال بعض الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين : أي رسول الله وفتح هو ؟ قال بعضهم : لقد صدونا عن البيت وصدوا هدينا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بئس الكلام هذا ، بل هو أعظم الفتح ، أما رضيتم أن تطرقوهم في بلادهم فيدفعوكم{[60139]} عنها بالراح ويسألوكم{[60140]} التضير ويرغبوا{[60141]} إليكم في الأمان{[60142]} وقد رأوا منكم ما كرهوا وأظفركم الله عليهم وردكم سالمين مأجورين ، فهو أعظم الفتوح ، أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم ، أنسيتم يوم الأحزاب إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون " ، فقال المسلمون : صدق الله ورسوله فهو أعظم الفتوح . والله يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه ولأنت أعلم بالله وأمره منا . وأنزل الله تأكيدا لأمر الرؤيا لمن أشكل عليهم حالها { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام } الآية ، فهذه الأشياء كلها كما ترى راجعة إلى الخفاء بالتعجب{[60143]} في أستار الأسباب ، فلا يبصرها إلا أرباب التدقيق{[60144]} في النظر في حكمة الله سبحانه .

ولما كان مبنى ما مضى كله على القدرة بأمور خفية يظهر{[60145]} منها من الضعف غير ما كشف عنه الزمان من القوة ، وكان تمام القدرة متوقفاً على شمول العلم ، قال تعالى : { وكان الله } أي الملك الأعظم أزلاً وأبداً { عليماً } بالذوات والمعاني { حكيماً * } في إتقان ما يصنع ، فرده لهم عن هذه العمرة بعد أن دبر أمر الصلح ليأمن الناس فيداخل بعضهم بعضاً لما{[60146]} علم من أنه لا يسمع القرآن أحد له عقل مستقيم ويرى ما عليه أهله من شدة الاستمساك به والبغض لما كانوا فيه{[60147]} من متابعة الآباء {[60148]}إلا بادر{[60149]} إلى المتابعة ودخل في الدين برغبة ، وأدخل سبحانه خزاعة في صلح النبي صلى الله عليه وسلم وبني بكر وهم أعداؤهم في صلح قريش ليبغوا عليهم فتعينهم قريش الصلح بعد أن كثرت جنود الله وعز ناصر الدين ، فيفتح الله بهم مكة المشرفة ، فتنشر أعلام الدين ، وتخفق ألوية النصر المبين ، ويدخل الناس في الدين أفواجاً ، فيظهر دين الإسلام على جميع الأديان .


[60117]:من مد، وفي الأصل و ظ: وجوههم.
[60118]:زيد من مد.
[60119]:زيد في الأصل: يوم الحديبية وغيره والثبات على الدين، ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[60120]:من مد، وفي الأصل و ظ: نعر في فلو-كذا.
[60121]:من مد، وفي الأصل و ظ: نعر في فلو-كذا.
[60122]:من مد، وفي الأصل و ظ: حباه رار-كذا.
[60123]:من مد، وفي الأصل و ظ: حباه رار-كذا.
[60124]:زيد من مد.
[60125]:سقط من مد.
[60126]:من مد، وفي الأصل و ظ: بتذكرهم.
[60127]:من مد، وفي الأصل و ظ: بتذكرهم.
[60128]:زيد من مد.
[60129]:زيد من مد.
[60130]:زيد من مد.
[60131]:من ظ و م ومد، وفي الأصل أحذر.
[60132]:من ظ ومد، وفي الأصل: بلطف.
[60133]:في ظ: تدبيرهم.
[60134]:في مد: أسباب.
[60135]:من مد، وفي الأصل و ظ: الوجه.
[60136]:من مد، وفي الأصل و ظ: البصر.
[60137]:من ظ ومد، وفي الأصل: هذه السورة عليه.
[60138]:من ظ ومد، وفي الأصل: هذه السورة عليه.
[60139]:من مد، وفي الأصل و ظ: فيدفيكم.
[60140]:من مد، وفي الأصل و ظ: يسألوكم.
[60141]:من ظ ومد، وفي الأصل: يرغبون.
[60142]:من ظ ومد، وفي الأصل: الآين-كذا.
[60143]:من ظ ومد، وفي الأصل: بالتحجب.
[60144]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[60145]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[60146]:من ظ ومد، وفي الأصل: لم.
[60147]:من ظ ومد، وفي الأصل: عليه.
[60148]:في مد: الأدبار-خطأ.
[60149]:في مد: الأدبار-خطأ.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (4)

{ هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما }

{ هو الذي أنزل السكينة } الطمأنينة { في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم } بشرائع الدين كلما نزَّل واحدة منها آمنوا بها ومنها الجهاد { ولله جنود السماوات والأرض } فلوا أراد نصر دينه بغيركم لفعل { وكان الله عليماً } بخلقه { حكيماً } في صنعه ، أي لم يزل متصفاً بذلك .