قوله تعالى : { هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة فِي قُلُوبِ المؤمنين } لما قال تعالى : { وَيَنصُرَكَ الله نَصْراً عَزِيزاً } [ الفتح : 3 ] بين وجه النصر ، وذلك أن الله تعالى قد ينصر رسله بصحيةٍ يهْلِكُ بها أعداؤُهُمْ ، أو رَجْفَةٍ يُحْكَمُ فيها عليهم بالفَنَاءِ ، أو بشيءٍ يْرْسِلُهُ مِن السَّمَاء ، أو يصبر وقوة وثبات قلبٍ يرزق المؤمنين ليكون لهم بذلك الثواب الجزيل ، فقال : { هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة } أي تحقيقاً للنصر . والمراد بالسكينة قيل : السكون ، وقيل : الوَقَار لله . وقيل : اليقين . قال أكثر المفسرين : هذه السكينة غير السكينة المذكورة في قوله تعالى : { يَأْتِيَكُمُ التابوت فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ }{[51619]} [ البقرة : 248 ] . ويحتمل أن تكون هي تلك ؛ لأن المقصود منها على جميع الوجوه اليقين وثبات القلب .
قال الله تعالى ( في{[51620]} حق الكفار ) { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب } [ الأحزاب : 26 ] [ الحشر : 43 ] بلفظ القذف المُزعِج وقال في حق المؤمنين : { أَنزَلَ السكينة فِي قُلُوبِ المؤمنين } بلفظ الإنزال المثبت .
وفيه معنى حكميّ وهو أن من علم شيئاً من قبل ويذكره استدام بذكره ، فإذا وقع لا يَتَغَيَّر{[51621]} ومن كان غافلاً عن شيء فيقع رفعه فإنه يَرْجُفُ فؤاده ، ألا ترى أن من أخبر بوقوع صَيْحَةٍ ، وقيل ( له ){[51622]} لا تنزعج{[51623]} منها فوقعت الصيحة لا يَرْتَجِفُ{[51624]} ومن لم يخبر به أو أخبر وغفل عنه يرتجف إذا وقعت . كذلك الكافر أَتَاهُ الله من حيث لم يحتسب وقذف في قلبه الرُّعْبَ ، فارْتَجَفَ ، والمؤمن أُتِيَ{[51625]} من حيث كان يذكر فسكن ، فلا تزعج نفوسهم لما يرد عليهم . قال ابن عباس : كل سكينة في القرآن فهي طمأنِينَةٌ إلاَّ التي في سورة البقرة{[51626]} .
قوله : { ليزدادوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ } ، قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ) بَعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بشهادة أن لا إله إلا الله ، فلما صدقوا زادهم الصلاة ، ثم الزكاة ، ثم الصِّيام ، ثم الحجّ ، ثم الجِهَاد حتى أكمل لهم دينهم وكُلَّمَا أُمِرُوا بشيء فصدقوه ازدادوا تصديقاً إلى تصديقهم . وقال الضحاك : يقيناً مع يقينهم{[51627]} ، وقيل : أنزل السكينة عليهم فَصَبَرُوا ورأوْا عَيْنَ القين ما علموا النصر علم اليقين إيماناً بالغيب فازدادوا إيماناً مُسْتَفَاداً من الغيب مع إيمانهم المستفادِ من الشهادة . وقيل : ازدادوا إيماناً بالفروع مع إيمانهم بالأصول فإنهم آمنوا بأن محمداً رسولُ الله ، فإن الله واحدٌ ، والحَشْرَ كائنٌ فآمنوا بأن كُلَّ ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم فهو صدق ، وكُلَّ ما يأمر الله تعالى به فهو واجب .
وقيل : ازدادوا إيماناً استدلاليًّا مع إيمانهم الفطري .
فإن قيل : ما الحكمة في قوله في حق الكفار : { إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْمَاً } [ آل عمران : 178 ] ولم يقل مع كفرهم وقال في حق المؤمنين : { ا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ } ؟
فالجواب : أن كفر الكافر عِنَادِيّ ، وليس في الوجود كُفرٌ فِطْريّ ، ولا في الوجود كفر عِنَادِيّ لينضمَّ إلَى الكفر الفطري بل الكفر ليس إلا عناداً وكذلك الكفر بالفروع لا يقال : انضم إلى الكفر بالأصول ، لأن من ضرورة الكفر بالأصول الكفر بالفروع وليس من ضرورة الإيمان بالأصول الإيمان بالفروع بمعنى الطاعة والانقياد ، ولهذا قال : { ليزدادوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ } .
قوله : { وَلِلَّهِ جُنُودُ السماوات والأرض } فهو قادر على إهلاك عَدُوِّهم بجنود ، بل بصيحة ولم يفعل بل أنزل السكينة على المؤمنين ليكون إهلاك أعدائه بأيديهم فيكون لهم الثواب . والمراد بجنود السموات والأرض الملائكة ، وقيل : جنود السموات الملائكة وجنود الأرض الجنُّ والحَيَوَانَاتُ . وقيل : الأسباب السماوية .
{ وَكَانَ الله عَلِيماً } لما قال : { وَلِلَّهِ جُنُودُ السماوات والأرض } وعددهم غير محصور فقال «عَليما » : إشارة إلى أنه لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السموات ولا في الأرض . وقيل : لما ذكر القلوب بقوله : { أَنزَلَ السكينة فِي قُلُوبِ المؤمنين } والإيمان الذي من عَمَلِ القُلُوب ذكر العلم إشارة إلى أنه يَعْلَمُ السِّرََّ وأخفى . وقوله «حكيماً » بعد «عليماً » إشارة إلى أنه يفعل على وَفْق العلم ، فإن الحكيم من يعمل شيئاً متقناً وبعلمه{[51628]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.