فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (4)

{ هو الذي أنزل السكينة } أي السكون والطمأنينة والوقار { في قلوب المؤمنين } وهم أهل الحديبية بما يسره لهم من الفتح لئلا تنزعج نفوسهم لما يرد عليهم قال ابن عباس : السكينة هي الرحمة قيل : كل سكينة في القرآن طمأنينة إلا التي في سورة البقرة ، وقد تقدم تفسيرها في موضعها { ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } أي : ليزدادوا بسبب تلك السكينة إيمانا منضما إلى إيمانهم الحاصل لهم من قبل ، قال ابن مسعود : تصديقا مع تصدقيهم ، وقال الكلبي : كلما نزلت آية من السماء فصدقوا بها ازدادوا تصديقا إلى تصديقهم ، وقال الربيع بن أنس : خشية مع خشيتهم ، وقال الضحاك : يقينا مع يقينهم .

قال ابن عباس في الآية إن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بشهادة أن لا إله إلا الله ، فلما صدق بها المؤمنون زادهم الصلاة ، فلما صدقوا بها زادهم الصيام ، فلما صدقوا به زادهم الزكاة ، فلما صدقوا بها زادهم الحج ، فلما صدقوا به زادهم الجهاد ، ثم أكمل لهم دينهم فقال { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } ، وعنه أيضا قال فأوثق إيمان أهل السماء وأهل الأرض وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلا الله .

{ ولله جنود السماوات والأرض } يعني : الملائكة والإنس والجن والشياطين ، يدبر أمرهم كيف يشاء ، ويسلط بعضهم على بعض ، ويحفظ بعضهم ببعض ، { وكان الله عليما } كثير العلم بليغه { حكيما } في صنعه وأقواله وأفعاله { ليدخل } أي أمر بالجهاد ليدخل { المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها } وقيل : هذه اللام متعلقة بمحذوف يدل على ما قبله ؛ تقديره يبتلى بتلك الجنود من شاء فيقبل الخير من أهله ، والشر ممن قضى له به ، ليدخل ؛ ويعذب ، وقيل : متعلقة بقوله إنا فتحنا لك ليدخل ويعذب ، وهذا لا يصح ، وقيل : متعلقة بينصرك أي نصرك الله بالمؤمنين ، ليدخل ، ويعذب ، وقيل : متعلقة ب ( يزدادوا ) وهذا لا يصح أيضا ؛ فالأول أولى .