الآية 4 وقوله تعالى : { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين } قال بعضهم : السكينة هي كهيئة الرُّمح لها جناحان ، ولها رأس كرأس الهِرّ لكن هذا ليس بشيء فإنه عز وجل قال : { أنزل السكينة في قلوب المؤمنين } بحقيقة الدين ، وهو تفسير العلم ، وهذا يدل على أنّ خالق العلم الاستدلالي ومُنزله ومُنشِئه هو الله تعالى ، وهم يقولون : إن خالقه هو المُستدَل ، فيكون حجّة عليهم .
قال بعض المعتزلة : إضافة إنزال السكينة إلى نفسه على سبيل المجاز ، ليس على التحقيق كما يُقال : فلان أنزل فلانا في منزله أو مسكنه ، وإن لم يكن منه حقيقة إنزاله إيّاه في المنزل ، لكن أُضيف إليه ذلك لأنه وُجد منه ، وسبب به يصل ذلك إلى نزوله في منزله ومسكنه .
فعلى ذلك أضاف إنزال السكينة { في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا } فلا يقال في مثله لأمر كان منه أو بسبب : جُعل له ذلك ، وهو كقوله تعالى : { إنا فتنا لك فتحا مبينا } { ليغفر لك الله } وإنما يقال ذلك لتحيق إنزال ذلك ليكون ما ذكر على ما أخبر أنه فتح ليغفر له ما ذكر ، والله أعلم .
ثم قوله تعالى : { ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } يُخرّج على وجوه :
أحدها : ما قال أبو حنيفة ، رحمه الله ، { ليزدادوا إيمانا } بالتفسير على إيمانهم بالجملة .
والثاني : { ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم } بمحمد صلى الله عليه وسلم وبكتابه { مع إيمانهم } بسائر الرسل والكتب التي كانوا آمنوا بها ، وصدّقوها . وهذا في أهل الكتاب خاصة .
والثالث : { ليزدادوا إيمانا } في حادث الوقت { مع إيمانهم } في ما مضى من الأوقات .
فإذا وُصل هذا بالأول فيكون بحكم الزيادة ، وإن شئت جعلته بحكم الابتداء ، إذ للإيمان حق التجدّد والحدوث في كل وقت ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ولله جنود السماوات والأرض } فإن كان نزوله على إثر قول ذلك المنافق على ما ذكر بعض أهل التأويل حين{[19513]} قال لأصحابه : يزعم محمد أن الله قد غفر له ، وأن له /117-أ/ على عدوّه [ ظَفرًا ، وأنه يهديه ]{[19514]} صراطا مستقيما ، وينصره نصرا عزيزا ، هيهات ! هيهات ! لقد بقي له من العدوّ أكثر وأكثر ، فأين أهل فارس والروم ؟ هم أكثر عددا . فعند ذلك نزل : { ولله جنود السماوات والأرض } فمعناه : أن لله جنود السماوات والأرض ؛ ينصر من يشاء على من يشاء ، ويجعل الأمر لمن يشاء ، ليس لهم التدبير وإنفاذ الأمر على من شاؤوا ، ولكن ذلك إلى الله تعالى ، وهو كقوله تعالى : { فللّه المكر جميعا } [ الرعد : 42 ] أي لله تدبير أمركم لا ينفذ مكرهم إلا بالله تعالى . فعلى ذلك [ هذا ]{[19515]} والله أعلم .
وقوله تعالى : { وكان الله عليما حكيما } أي عن علم بما يكون منهم من إيثارهم عداوة الله على ولايته واختيار الخلاف له أنشأهم لا عن جهل ليُعلم أنه لم يُنشئهم ، ولم يأمرهم بما أمرهم ، وامتحنهم بما امتحن لحاجة نفسه أو لمنافع ترجع إليه ، ولكن لحاجة أولئك أو لمنافعهم .
ولذلك كان{[19516]} حكيما لأن الحكيم هو الذي لا يلحقه الخطأ في التدبير . فإذا كان إنشاؤه إياهم وما أمرهم ، على علم منه بما يكون منهم من إيثار العداوة له على ولايته واختيار الخلاف له والمعصية ، والله الموفّق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.